مدى اتساق الرقابة السابقة على مشاريع القوانين مع أحكام الدستور

آراء 2021/07/25
...

 أحمد إسماعيل ربيع*
 
 
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها ذا العدد (71/اتحادية/2021) المؤرخ في 13/6/2021 بشأن الطلب المحال إليها من قبل وزارة الخارجية العراقية، لبيان الرأي بخصوص ما ورد في كتاب السفارة العراقية في واشنطن بالعدد (14) في 10/5/2021 من قيام السلطات التشريعية في إقليم كردستان بتقديم مسودة قانون، لإنشاء محكمة مختصة بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لمحاكمة مقاتلي عصابات داعش الإرهابية إلى البرلمان في الإقليم، حيث تضمنت مسودة القانون منح المحكمة – المزمع تشكيلها بالقانون المراد تشريعه – سلطة تعيين قضاة ومدعين عامين غير عراقيين، ولها سلطة فرض عقوبة الإعدام، فضلاً عن ولايتها على المواطنين العراقيين والأجانب؛ وإزاء ذلك طلبت وزارة الخارجية من محكمتنا الموقرة بيان مدى تعارض إنشاء المحكمة المختصة مع المادة (95) من الدستور، التي حظرت انشاء محاكم خاصة أو استثنائية، حيث ان المحكمة الاتحادية العليا وبعد أنّ دخلت في أساس موضوع الطلب خلصت في قرارها إلى ان: {... انشاء محكمة في إقليم كردستان وتعيين قضاة مدعين من غير العراقيين مخالف لأحكام المواد (87 و 88 و 90 و91 و95 و 112/ أولاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005، ولا يُعدُّ ذلك نظراً من المحكمة الاتحادية العليا في مشروع قانون مقدم إلى برلمان إقليم كردستان العراق؛ لأن البت في دستورية مشاريع القوانين يخرج عن اختصاص هذه المحكمة...}.
وبناءً على ما خلصت إليه محكمتنا الموقرة بموجب قرارها المذكور، ومن أجل ضمان الحفاظ على استقلاليتها في ممارسة اختصاصها في الرقابة الدستورية المعقود لها بموجب الدستور والقانون، فضلاً عن دعم دورها الخلاق في صيانة الدستور وحماية الحقوق والحريات وإرساء دعائم الدولة القانونية؛ يحق لنا ابداء بعض الملاحظات التي تضمنها قرار المحكمة الاتحادية العليا - مدار البحث – وعلى النحو الآتي:
 
• الملاحظات الشكلية:
أولاً- ورود الخطأ في الإشارة إلى رقم نص المادة الدستورية (112/أولاً) التي استندت إليها المحكمة الاتحادية العليا في قرارها المذكور المتعلق بحق سلطات الإقليم في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقاً لأحكام الدستور، في حين ان الرقم الصحيح للمادة الدستورية هو (121/ أولاً) من الدستور.
ثانياً- ورود الخطأ في الإشارة إلى رقم قانون المحكمة الاتحادية العليا، حيث عبرت عنه المحكمة بأنّه رقم (35) لسنة 2005 (المُعدل) في حين ان الصحيح هو رقم (30) لسنة 2005 المُعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021.
ثالثاً- اشارت المحكمة الى أن قراراتها باتة وملزمة للسلطات كافة بالاستناد إلى المادة (93/ رابعاً) من الدستور، في حين أن المادة المذكورة وان كانت تتطرق لموضوع اختصاص المحكمة في الفصل في المنازعات الخاصة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية – وهو موضوع اصل الطلب – إلاّ أنّ المحكمة قد فاتها بأنّ مسألة بتات القرارات والزاميتها قد اشارت إليها المادة (94) من الدستور وليس المادة (93/ رابعاً) من الدستور.
 
• الملاحظات الموضوعية:
أولاً- إن ممارسة المحكمة الاتحادية العليا لاختصاصاتها تكون وفقاً لما يقتضيه نص المادة (93) من الدستور والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المُعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021، وبعد الرجوع لاختصاصات المحكمة الواردة في المواد المذكورة لم نجد أنّ المحكمة مختصة بالنظر في هذا الطلب الموقع من وزير الخارجية العراقية بشأن بيان مدى تعارض إنشاء محكمة مختصة بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، لمحاكمة مقاتلي عصابات داعش الإرهابية مع المادة (95) من الدستور، وإنما يكون ذلك من خلال دعوى قضائية – بعد نفاذ القانون - تُقام أمام المحكمة الاتحادية العليا بحسب ما تتطلبه المادة (93/رابعاً) من الدستور والمادة (4/رابعاً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 (المُعدل)، وكذلك المادة (5) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2005، وهذا ما استقر عليه قضاء المحكمة الاتحادية العليا الموقرة في العديد من قراراتها، ومنها القرارات والأحكام المرقمة: (55/ اتحادية/ 2018) في 3/ 4/ 2018؛ (7/ اتحادية/ 2013) في 25/ 2/ 2013؛ (25/ اتحادية/ 2013) في 26/ 5/ 2013؛ (11/ اتحادية/ 2020) في 30/ 5/ 2021.
ثانياً- ان المحكمة الاتحادية العليا قد تخطت نوع الرقابة المرسوم لها دستورياً بانها رقابة لاحقة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة إلى رقابة سابقة على مشاريع ومقترحات القوانين، ولا يبرر قيام المحكمة ما ذكرته في منطوق حكمها من أنّه {... ولا يُعدُّ ذلك نظراً من المحكمة الاتحادية العليا في مشروع قانون مقدم إلى برلمان إقليم كردستان العراق؛ لأن البت في دستورية مشاريع القوانين يخرج عن اختصاص هذه المحكمة...}؛ ذلك لأن المحكمة الاتحادية العليا الموقرة قد خاضت في أساس موضوع الطلب المتعلق بإنشاء محكمة مختصة بجرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب لمحاكمة مقاتلي عصابات داعش الإرهابية، ضمن مشروع قانون مزمع تشريعه من قبل برلمان إقليم كردستان، وبيّنت أسباب عدم دستورية مثل هكذا تشريع، وقد فات على المحكمة بأن أيّ حكم قضائي يتكون من بيانات ثلاثة رئيسّة، تتمثل في (الوقائع والأسباب والمنطوق)، وحيث الفقه والقضاء الدستوريان قد استقر على أنّه متى ما كان هناك ارتباط وثيق بين أسباب الحكم القضائي ومنطوقه، وعدم وجود التعارض بينهما، بحيث تصبح هذه الأسباب مكملة ومفسرة للحكم القضائي أصبحت لهذه الأسباب ذات الحُجية التي يتمتع بها منطوق الحكم القضائي، وبالرجوع لقرار المحكمة الاتحادية العليا – مدار البحث – نجد أنّ المحكمة استندت في عدم الدستورية الى أسباب عديدة، منها مخالفته للمواد (87 و 88 و90 و91 و 95 و 112/ أولاً {والصحيح هو 121/أولاً} ) من الدستور، وان هذه الأسباب قد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمنطوق قرار المحكمة؛ لذا كان على المحكمة ان ترد الطلب ابتداءً وعدم الخوض في شرعيته؛ لأن ذلك يخرج عن اختصاصها، وهذا ما عبرت عنه المحكمة الاتحادية العليا في قرارات سابقة لها بصورة أكثر صراحة ومنها: قرارها بالعدد (9/ اتحادية/ 2007) في 2/7 / 2007، الذي خلصت فيه للقول بأنّ {تدقيق مشاريع القوانين قبل تشريعها لبيان مدى مطابقتها مع أحكام الدستور لا يقع ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا}، وكذلك قرارها بالعدد (24/اتحادية/2007) في 21/ 10/ 2007 القاضي بان {إعطاء الرأي القانوني في إمكانية إصدار تشريع يجيز تفويض أعضاء مجلس النواب احدهم الآخر في حضور الجلسات والمناقشة والتصويت هو خارج اختصاص المحكمة الاتحادية العليا}.
ثالثاً- ان المحكمة الاتحادية العليا وبمجرد دخولها في مضمون كتاب وزارة الخارجية لبيان مدى دستورية انشاء محكمة في إقليم كردستان وتعيين قضاة ومدعين من غير العراقيين ضمن مشرع قانون يقدم لبرلمان الاقليم لاحقاً بهذا الخصوص، قد خالفت ما استقرت عليه أحكامها من انها مختصة بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وليس الملغية منها أو غير النافذة، ومن هذه القرارات على سبيل المثال، القرارات المرقمة: (22/ اتحادية/ 2006) في 5/ 3/ 2007؛ (8/ اتحادية/ 2008) في 7/22 / 2008؛ (24/ اتحادية/ 2008) في 22/ 7/ 2008؛ (14/ اتحادية/ 2010) في 27/ 4/ 2010؛ (103/ اتحادية/ 2011) في 4/ 6/ 2011؛ (39/ اتحادية/ 2013) في 28/ 8/ 2013؛ (45/ اتحادية/ 2013) في 23/ 10/ 2013؛ (38/ اتحادية/ إعلام/ 2013) في 4/ 5/ 2013؛ (104/ اتحادية/ إعلام/ 2014) في 22/ 9/ 2014؛ (85/ اتحادية/ إعلام/2014) في 18/ 11/ 2014؛ (88/ اتحادية/ 2016) في 20/ 12/ 2016؛ (70/ اتحادية/ 2018) في 11/ 6/ 2018.
عليه وفي ضوء ما سبق بيانه، نهيب بمحكمتنا الموقرة ابتداءً ان تكون دقيقة في ايراد ارقام المواد القانونية، خصوصاً الدستورية منها قبل اصدار القرار أو الحكم؛ لأن قراراتها وأحكامها تمثل مصدراً تفسيرياً للقواعد الدستورية يمكن الاستشهاد والاستئناس بها من قبل الباحثين والاكاديميين العراقيين وغير العراقيين، فضلاً عن مؤسسات الدولة كافة، ومن ثم لا بد أن تكون الإشارة للنص الدستوري صحيحة، كما نحث محكمتنا الاتحادية العليا مستقبلاً بان تتجنب الخوض في مشاريع القوانين والأنظمة؛ لأن ذلك يمثل خروجاً عن اختصاصاتها الدستورية والقانونية ويجعل من عملها هذا تدخلاً بعمل السلطات الأخرى. 
 
* باحث قانوني