فرحة العيد في ظل الجائحة

منصة 2021/07/25
...

 غفران حداد 
قبل تفشي جائحة (كوفيد – 19)، كانت فرحة العيد في حياتنا تبدلت وقلوبنا كبرت كثيراً على الزمن أو كأننا كبرنا على العيد، وما عادت بهجته تؤثر فيها كما كنا نشعر بها حين كنا أطفالا صغاراً، وحين استوطن الوباء اللعين جميع مفاصل حياتنا ويومياتنا زاد الطين بلة، وتغيرت طقوس الاحتفال وأصبح الكثير منا يندب حظه ويردد بيت أبو الطيب المتنبي «عِيد بأيَّةِ حالٍ عدت يا عِيد بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد».
أنا وكثير من الناس لا ننكر أنَّ الذكريات دائماً تكون حاضرة مع مجيء العيد سواء كان عيد الفطر أو الأضحى الذي انتهى قبل يومين، نستذكر رفاق الطفولة والألعاب خصوصاً الأرجوحة التي لا تتحرك إلا في ساحات المرح وأجواء العيد لجذب الأطفال للهو فيها مقابل درهم ولدقائق معدودة.
ذاكرتنا لا تزال مسكونة بالحب تجاه العربة الخشبيَّة التي يجرها الحصان وفوضى ضحكات الأطفال وثرثراتهم المتداخلة والبالونات الملونة التي نطلق حريتها ونتابع تحليقها في السماء وأصابعنا الصغيرة التي تأكل أصابع العروس وغزل البنات.
ما زال عطشنا يسافر لتلك الأيام مع حلول العيد ونتذكر الجيوب الصغيرة المليئة بالعيديات المالية من الوالدين والأعمام والعمات والأخوال وتبادل الدعوات وإقامة الولائم والتجمع في بيت الأسرة الكبير، كان الجميع ينتظر فرحة العيد فمذاقها مختلفٌ عن بقية الأيام حيث لا وباء ولا خوف، كانت نكهة الحلويات من «الجكليت وكليجة الجوز والتمر والسمسم» لها طعمٌ خاص، ولذة الطعام الشهية في أطقم الصحون الجديدة التي تشتريها الأم خصيصاً لأيام العيد، لا تزال براعم تذوق ألسنتنا وفية إليها ونستذكرها خصوصاً فطور العيد الذي لا يكتمل بدون الكاهي والكَيمر، وأعواد البخّور تعطّر باحات المنازل، ذكريات الوطن بوجود الأهل في هذه المناسبات لا تنسى.
نعم ذكريات العيد في الماضي حتى القريب منها قبل الجائحة كانت جميلة جداً ولم نشعر بهذه الحقيقة إلا ونحن نعيش الغربة بعيدين عن أوطاننا، حيث وللعام الثاني على التوالي يحلُّ العيد علينا في وقت ما زال العالم فيه يواصل مكافحة (كوفيد – ١٩).
الطقوس اليوم قد تكون غائبة أو ناقصة لكنْ ايضاً نقول للعيد فرحة ونكهة جميلة في نفوسنا ونفوس أطفالنا ونحن بأمس الحاجة للفرح وللطاقة الإيجابيَّة لكي نبثها في قلوب من حولنا فلطالما ارتبط العيد بالفرحة والسعادة وبهجة الأيام المليئة بالتهاني، فأيام العيد لها روحانيَّة من الطاعة والجمال، صحيح أنَّ مذاق فرحة العيد تغيرت، إذ أصبحت صلاة العيد شبه ملغية في كثيرٍ من الجوامع خوفاً من انتشار العدوى بين المصلين، وصحيح أيضا ألغينا القبلات والعناق مع تهنئة أصدقائنا وجيراننا في العيد إذ أصبح لدينا إدمان في تطبيق إجراءات الوقاية خوفاً من فيروس كورونا الذي فتك بأرواح الكثير من البشر.
ولكن يبقى اسم العيد مرتبطاً بالسعادة، ما زلنا نعدّ اسطوانة الست أم كلثوم لتشغيلها في ليلة العيد وهي تطربنا «يا ليلة العيد آنستينا.. وجددتي الأمل فينا»، ونشتري الملابس الجديدة ونعلق الزينة على شرفات المنازل والشوارع وأمام واجهات المحال التجاريَّة والأسواق لكي ننشر الفرح والمحبة في وجوه المارة. بإمكاننا أنْ نعيشَ سعداءً في أيام عيد الأضحى رغم تفشي فيروس كورونا، فأين المشكلة لو التزمنا بارتداء الكمامة وحرصنا على التباعد الجسدي في الأماكن العامة لأجل ترفيه أطفالنا، فهذه الإجراءات جزءٌ من المعاني الإنسانيَّة والوفاء في ما بيننا والتي يتسم بها معنى العيد.
رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ما زال بالإمكان أنْ ندخل الفرحة بإخراج العيديَّة المالية للصغار ونشتري الهدايا لكبار السن ونقوم بتوزيع الحلوى والطعام ببن الفقراء لإدخال السعادة في نفوسهم، فمظاهر الحب والألفة والإنسانيَّة متنوعة وهي من أبرز سمات أيام العيد. سنشعر بفرحة العيد بشكلٍ أعمق عندما نسامح من أساء إلينا، فلا أظن أنَّ بهجة هذه الأيام التي ننتظرها من عامٍ الى عام ستكتمل من دون العفو والتسامح في ما بيننا، سواء من أساؤوا إلينا في الماضي البعيد جداً أو في الزمن القريب.
فرحة العيد عزيزة ولها طعمٌ خاصٌ في الأيام القليلة هذه، فعلينا أنْ نغتنمَ هذه الفرصة وأنْ يكون هدفنا أنْ نشعر بقيمة الأيام السعيدة التي لن تتكرر حتى مجيء العام المقبل وكل عام وأنتم بخير.