جدلية الدولة

آراء 2019/02/22
...

  محمد يونس
 وفقدت اهم ركائزها بعد تزعزعها، التي هي النظم الاجتماعية، فسادت بدل قيم الدولة قيم القبيلة والسياسة الدينية الطائفية، واستشرى الصراع المذهبي المسلح، وسقطت حتى اللغة، فصار هنا ولود طارئ للغات مستحدثة، منها من صار خطابا، واخر بقي ادنى في حدود مجال بيئته، وضاع المعنى العام للقانون الاجتماعي, وصارت الحياة اقرب الى غابة بشرية بكيان مديني وعلى وجه الخصوص في مدينة بغداد ،التي تغيرت شكلا ومضمونا، وحلت هنا صيغ سلوكية قوضت معنى الدولة في كيان الفرد والمجتمع على السواء، وتلاشت هيبة الدولة،وكما يقول جاك ماريتانفي كتابه الفرد والدولة :(ان تكون الدولة من حيث كونها هيئة عقلية وقضائية مع لها من نظام داخلي يخولها فرض القانون والقوة وما له من وحدة وضبط) ورغم ان  هذا التوصيف تاريخي، لكنا عهدناه في كيان الدولة العراقي قرابة قرن وهو مهم بالنسبة للثقافات الادنى، فهي لابد من صلابة وقوة تعينها في الحركة والنمووالتزام النشاط العام لها سياسيا وانسانيا، ومن تجليات الدولة لدينا فهمها في افق واحد، وهو افق التسييس، وليس النمو الفني، وهذا الفهم سيطر حتى على مدارك الفرد واصبح خوفه من الدولة بديلا لمشاركته في حركة كيانها.
لقد فشلت الدولة بعد 2003 من التمظهر من جديد وبذات النفس الحيوي والصلابة، وقد تخطت ان تكون واقعا ملموسا، الى هامش او ظل، وهنا قفزت فكرة – جدلية الدولة – الى اقصى مواقع افلاطونيتها، ولم يعد يمكن حتى أن يجدي الحديث ازاء تلك الجدلية، لانها في مدار صارت يلغي كل التفاسير الغرضية على وجه الخصوص، وقد يسلم تفسيرنا المعنى والموضوعي والمجرد من اي غرض او منفعة او هدف سياسي، وصارت جدلية الدولة واقعا ولابد ان نسلم به ونقبل ونرضى بما قسمت لنا الاقدار، وان كانت الاقدار هنا لم تتدخل الا 
بالنتائج .
لقد قدر للدولة ان تضمحل جنينيا، فبدل ان تعود الى النمو الطبيعي، وتتمكن من تحقيق اغراضها القانونية، وتجعلنا نلمس تقدمها الى الامام متجهة نحو وقعنة المستقبل، ولكن نشاط الخطاب السياسي كان باتجاه معاكس لامكان استعادة نمو الدولة الطبيعي، وصار الغرض السياسي الجمعي المختلف داخليا، هو البديل النوعي للدولة.ولم المس في اي خطاب سياسي حتى  سمة حنين الى اعادة هيبة الدولة، وما مدت يد بحرص لمنع سقوط الدولة المرير، فاهتم الكل بالغرض السياسي، ومديات الطموح الذاتي في هذا الغرض، وحتى البعض سعى الى المزايدة على توسع مساحة ذلك الغرض ،الذي لا يمت لبنية الدولة بصلة، بل ان حد البراغماتية فيه هو اشد على اخلاقية الدولة، وتفاقم النشاط السياسي بالضد من حاجات وحيثيات الدولة، والوعي السياسي
 في العراق.
إن الوضع الماساوي للدولة العراقية، ليس على بال الكيانات السياسية، بل تعدى ذلك الى كيان المجتمع الذي تغير شكلا ومضمونا، وصار ادنى من الفاعلية التي تتوخاه منه الدولة، كي تتمكن من ان تكون ( اداة فنية ذات سلطة على وضع القوانين والمهام والاشراف عليها وتنظيمها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية .نفس المصدر)، وبدل ان تتمكن الدولة من تحقيق غرضها الوطني، بمجتمع يعي قيمة ذلك الغرض، واجهت اخضاع سياسي للرغبات والمصالح، وخسرت الرهان وضاعت وتلاشت قيمتها .
1 - الفردة والدولة – جاك ماريتان – ت عبدالله الامين – دار مكتبة الحياة