العقل النقدي العربي.. أسئلة مشاكسة

آراء 2021/07/27
...

 د . ناجي الفتلاوي
 لا شك  أن خاصية التفكير هي ما يميز الانسان عن باقي الكائنات الحية ويترشح عن هذه الخاصية ادخال العقل بالظواهر المسموعة والمرئية والملموسة، وثيمة الاحداث والسيطرة على الطبيعة المادية والاجتماعية والسياسية، فهو (اي الانسان) حيوان ناطق كما يقول ارسطو. 
 
 بمعنى انه مدجج بالقدرة على فهم وتعقل الامور ووضعها في سياقاتها التي تتلاءم مع الوعي المتدفق من تفكيره وتفكير اقرانه، والتخلي عن المصداق اعلاه يدخله في غابة من النقوصات الانطولوجية، نصاب التخلي طال مختلف العقول الغربية والعربية والعقول الاخرى بأزمان مختلفة وبدرجات متفاوتة كما ونوعا وتأثيرا، عربيا تراثنا حفل بالكثير من الممارسات النقدية وخاصة في الأدب، كما عند الجرجاني والقرطاجنّي وقدامة بن جعفر، النقد في القسمات العذرية لفهمه هو {جدل العقل} وهو نشاط إنساني متميز باعتباره أداة تحكيم عقلانية تمكّن الإنسان من النظر في الأمور بحكمة وحرية، يتجنب بموجبها الوقوع في متاهات واقع مزيف والاستسلام لحقيقة كاذبة وهو لذلك عملية رفض سالب وتحدِ وليس خضوعا واستسلاما.
 واذا انطلقنا من بوابة التوصيف العام للحضارة الاسلامية نجد أنها ابنة النص وهذا يجعلها قريبة من هيمنة العقل النقلي الذي يمتاز كما يتضح بثلاث صفات (تمرير الافكار من دون نقاش، تكرارها من دون تمحيص تبريرها والدفاع عنها) وهذا يجعلها إن صح هذا التحليل في دائرة المراوحة والتبعية للحضارة، التي تعتمد التأمل وهي الحضارة الغربية، التي التصقت بالعقل النقدي الذي يقابل المعطيات السابقة للعقل النقلي، حيث يقوم على تنقية وغربلة الافكار القادمة من العالم الخارجي مع التأمل والمراجعة الدؤوبة.
 وهنا لا بد من ايلاد اسئلة لا بد من تثويرها لغرض خلق توازن وحفريات تجعل من الراكد متحركا ومن النقلي نقديا، علما ان كلا العقلين نحتاج اليهما وفقا لضوابط ومعايير يقرها التحدي وضرورات التمرحل ومنها: هناك متلازمة بين الاسباب والنتائج والعقلية النقلية لا ترى ربطا بين الامرين، بينما النقدية تقوم على الربط المحكم بين السبب والنتيجة، والدعوة الى بيان السبب ملحة جدا؟. 
البعض يرى أن سبب غياب المنجز النقدي للعقلية العربية نتيجة عدم تأصيل مفهوم العقلية بمضمونه الانثروبولوجي، فما الطريق الى تاصيل المفهوم من هذه الزاوية؟ هل ثمة خلل في استخدام مفهوم الثقافة، الذي يعاني من طابع العمومية والشمول في تحليل الذهنية العربية؟ كيف تناول المفكرون العرب العقلية العربية وفي ضوء ماذا من المفاهيم؟ هل بالامكان القول ان العلاقة بين مفهومي الثقافـة والعقلية تقوم عـلى أساس العلاقة بين الشكل والمحتوى؟ أغلب الدراسات والأبحاث العربية الجارية تصف العقلية العربية، بأنها عقلية تقليدية نسجت على منوال التصورات الخرافية والسلفية والسحرية، التي تمانع كل مشاريع النهضة والتنوير والتقدم، هل ثمة مغالاة في هذا الوصف، ام ان ما ذكر هي ابرز سمات العقلية العربية؟ في معرض المقارنة بين العقلية الأوروبية والعقلية العربية، ماذا يمكن ان نقول؟ العقلية العربية كما يقول أدونيس "عقلية تقليدية تقوم على أسس وجدانية قوامها التفسير الميتافيزيائي للكون والتاريخ والوجود الإنساني" هكذا توصيف هل له مصاديق في الواقع ام انه محض ترف تنظيري؟ أسس التفكير العربي اليوم على ماذا تقوم؟ هل تقوم على الحدس والعاطفة والوجدان والتذوق والخيال؟ في نسق المحاولات الجارية لتوصيف الوعي العربي يميز الباحثون بين نوعين من الوعي: وعي التخلف وتخلف الوعي، ايهما اشد وطأة وحضورا؟ إن الوجدان الزراعي والرعوي والعشائري، هل ما زال هو المسيطر على بنياننا النفسي، بالرغم من بعض المظاهر المرتبطة تاريخيا بحركة العلم والتصنيع؟ يقول أحد المفكرين العرب في مقالة له حول معاناة العقل العربي "نحن لا نعاني من طريقة بعينها يسلكها العقل العربي، ولكننا نعاني من لا عقلانية هذا العقل، هل هذه اللاعقلانية تمتد من المدرسة إلى الجامعة؟ البعض يرى ان الفرد العربي فريسة اتجاهين متناقضين. فهو، من جهة، مدفوع بنزعة فردية عمياء تجعله يخرج عن المجتمع ويناقضه. وهو من جهة أخرى مدفوع بنزعة جماعية تجعله عاجزا عن العيش من دون الالتصاق بالجماعة والاعتماد الكلي عليها، وجود هذين الاتجاهين هل اوجد ارباكا في بوصلة الفرد العربي؟ هل استخدم المفكرون العرب مفهوم العقل الأبوي البطرياركي لتحديد سمات وخصائص العقلية السائدة؟ هل تكمن أزمة العقلية العربية وعطالتها بكوننا أسرى الهرمسية أو الغنوصية أو الباطنية التي أقالت عقل الإنسان عن أداء أي دور إيجابي، وعطلت فعاليته الدنيوية؟ بفعل الاضطراب المنهجي والفوضى المفهومية التي حدثت من جراء الصراعات الفكرية الوافدة، وعمليات الاستغراب الثقافية والحضارية التي حدثت على المستوى النظري والعملي، هل تشكلت لدينا بنية فكرية ومجتمعية مشوهة؟ هل هناك اهتمام حقيقي بمشكلة تكوين العقل النقدي العربي؟ هل يمكن القول ان ممارسة التفكير النقدي الأوروبي في مسائل السياسة وموضوعات الاقتصاد ومشكلات المجتمع والثقافة بواسطة الفلاسفة والمفكرين والسياسيين، هو الذي دفع بالمجتمعات الأوروبية إلى آفاق التقدم؟ سياق ثورة المعلومات وتدفقها في كل المجالات المعرفية، الا يستدعي في المقام الأول عقلاً نقدياً يستطيع تصنيف هذا الفيض من المعلومات، والتفرقة بين المعلومات الصحيحة والمعلومات الخاطئة، والمعلومات المتحيزة والمعلومات الموضوعية؟ اين تتمثل خطورة غياب التفكير النقدي؟ فشل مشروع النهضة العربية هل سمح لقوى إسلاميةـ أصولية ذات أيديولوجية تكفيرية متطرّفة بالبروز والتاثير؟ ويبقى في خزينة الاسئلة يفوق ما ورد اعلاه بآلاف المرات، وكلها تحتاج الى أجوبة مبصرة وعملية.