نزاهة الزعيم

آراء 2021/07/27
...

  د. كريم شغيدل
 
في كل عام منذ سقوط صنم الدكتاتورية حتى يومنا هذا، يتفشى النقاش والجدل في المجالس وعلى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بشأن (14 تموز) هل هي ثورة أم انقلاب عسكري، وهل كان ذلك اليوم السبب في تحرر العراق من التبعية الاستعمارية، أم أنه قضى على حقبة الدولة الملكية التي كان من الممكن أن يتحول في ظلها العراق إلى دولة قوية اقتصادياً وسياسياً حالها حال دول الخليج ما لم نقل أعظم شأناً، ويرى كثيرون أن ذلك اليوم قد فتح الباب على مصراعيه للعنف السياسي وترييف الدولة وعسكرتها، وتوالي الانقلابات الدموية، ومن ثم اندثار المجتمع المدني والطبقة الوسطى وما إلى ذلك.
جميع الآراء تحمل شيئاً من الحقيقة وبعضها قابل للرد والمناقشة، فالنظام الملكي لا يخلو من العنف السياسي، مع هيمنة طبقة سياسية معينة، ولسنا بصدد المقارنة، لكن نود الإشارة إلى قضية مهمة لها علاقة بواقعنا اليوم، فقد ركز مريدو الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم على نزاهته، ولطالما تغنى العراقيون بحكاية العثور على مبلغ جداً بسيط في جيبه، بعد اغتياله على أيدي مجرمي(8 شباط) وعدم امتلاكه بيتاً وغير ذلك، ولطالما تغنوا بتوزيعه قطع الأراضي السكنية على الفقراء النازحين بسبب جور النظام الإقطاعي الذي كان مسنوداً من النظام الملكي، والسؤال المهم هو: إذا كان الزعيم نزيهاً وزاهداً فهل هذا يعني أن رجالات النظام الملكي كانوا سراقاً أو فاسدين؟ لا طبعاً، فلطالما تغنى العراقيون أيضاً بنزاهة الملوك ونزاهة نوري السعيد، بل إن فكرة(من أين لك هذا؟) بدأت في العهد الملكي، وحتى الجمهوريون والانقلابيون، لم يكونوا سراقاً أو فاسدين، كان المال العام مقدساً بحكم السياقات الثقافية والأخلاقية والأعراف الاجتماعية، وكانت النزاهة جزءاً من ثقافة المجتمع، وركناً من تركيبة الشخصية العراقية.
كان الملك يستدين ويقترض، وكذلك رؤساء الوزارات أو الوزراء أو النواب، ولم يثروا على حساب المال العام، كان هناك نظام موازنة صارم، ورقابة مالية حازمة، ولم تكن هناك منافذ للسرقة، على العكس مما يحدث الآن، فأين نحن من نزاهة أولئك الساسة، بل أين نحن من نزاهة الإمام علي(ع) وزهده اللذين يتغنى بهما سراق اليوم رياءً.