هل غادر (النقاد) من متردم؟!

ثقافة 2021/07/27
...

د. أحمد الزبيدي 
 
على الرغم من بروز الأجناس الأدبية النثرية، وخاصة الرواية، إلّا أنه مازال الشعر هو المعيار الثقافي والجمالي للتحولات الأدبية؛ فالنقاد الحداثيون يصرون على خمسينية القرن العشرين ميلادًا للحداثة العربية!، أعني ميلاد قصيدة التفعيلة. 
ودأبت المدونة النقدية العراقية إلى أن تقرن مصطلح الأجيال في الشعر أكثر من الأنواع الأخرى، وتفشت ظاهرة البيانات بصيغتها الشعرية العَشرية. وعلى هامش الشعر قد يجتهد ناقد ما في انتساب الروائيين إلى أجيال تابعة أو لاحقة على غرار السنّة الشعرية!. 
وليس هذا الأمر اعتباطيًّا؛ وإنما هو يعبر عن مركزية الخطاب الشعري في الثقافة العربية؛ ولكن هل مازال الشعر هو الديوان و(سجل) المآثر؟، أ مازال يتبنى فكرة التوثيق للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية؟، أ تخلص الشعراء من تهم الانتماء الإيديولوجي أو المجاراة له؟!.  
 لا شك في أن السيرة الإبداعية لشاعر ما، شهد الزمنين، أمرٌ يحظى بالعين النقدية والسياسية المراقبة لمنجزه الشعري أكثر من الرصد النقدي للروائي أو المسرحي أو الناقد نفسه؛ وكأن مركزية الشعر الخطابية تحولت إلى مركزية نقدية ومعيارية وأصبحت شاهدا ومشهودا على المثالب والمناقب حتى باتت تلك العين ترصد موجهات القصيدة أكثر مما تراقب بنياتها الأسلوبية؛ بل أصبح التحول الفني مرهونًا بالتحول السياسي الذي تتنفّسه القصيدة عبر بنياتها الأسلوبية والفنية، ومن ثم تلاحق العين النقدية القصيدة بوصفها شاهدًا ماديًّا حيًّا على تلك التحولات
 والمتغيرات. 
والمفارقة أن المساحة الزمنية لفضاء الحداثة، على وفق الإيمان بمنتصف القرن الماضي، لا تتجاوز السبعين عامًا!، وهو عمر احتشدت فيه جملة من المتغيرات (الافتراضية) حتى تحولت إلى متغيرات حقيقية يحترمها النقد، وخاصة الأكاديمي منه الذي يشترط على الطالب تورطه بموضوع أكاديمي يعترف بنيله شهادته
العليا!. 
ولأجل ألّا يكون الموضوع مدروسًا، عليه إذن تقسيم المشهد إلى مراحل بقسمة شرعية تضمن حقه من الميراث الشعري.. 
 ولا أدري متى سيتم الإعلان الرسمي عن نبوءة حنا مينا في أن الرواية ستكون هي ديوان العرب في القرن الحادي والعشرين؟، أو هل سيتم الاعتراف بها أصلًا؟، ولعل في القول إجحاف للحقيقة الأدبية والنقدية وكأن الشعر والرواية خصمان وعدوان يقتتلان من أجل الهيمنة الإبداعية.. الأمر ليس بهذه السذاجة ولا الفحولة أو المنافسة الجاهلية إنما أعني أن الرصد الأسلوبي التحولي يرتهن إلى الفضاء الشعري بوصفه معيارا تحوليا، وقد لا يتعلق الأمر بحاضر الشعر فقط؛ بل يعود إلى المنطقة التراثية التي مازالت هي الحاكمة والمتحكمة في مكوناتنا الثقافية بمختلف أجناسها وأنواعها؛ فالثابت التراثي والقديم لا يمثل قيما جمالية حسب بل هو قيمة ثقافية تكثف الهوية العربية في أبرز تجلياتها الحضارية.. نعم مازالت أمتنا تحنُّ إلى الشعر ولا تفارقه حتى تترك النوقُ
حنينَها!