كائناتٌ رقمية تغتال حماماً زاجلاً

ثقافة 2021/07/29
...

 عبد الإله الشميري
 
من شجرة الميلاد الأولى 
تبرعم العمر كوردة لأمانيها الشاردة 
فتشع ألوانها حول أصابعنا
كفضة عذراء
يتجادل أمامها الصاغةُ وعمالُ المناجمْ
الأقاصي ثقبٌ في مخيلتها 
بالكاد يتسع لشبح نافر 
وقعُ خطاهُ يرفع اصداءها للسماء كمآذن
غير أن الطيور التي تعبرها
تعبرها كعسس 
كلما رأتها خلف مرآتها
نفضت ملاءة سريرها
موحية لها
أنها حاطبة ليل
الليل لن يشتهيها 
لولا الفراغ المعرِّش في قلبها 
بكل لون شاحب
ولولا جلبةُ الغبار
تبا أيتها الخسارات 
وكأنك لا تتناسلين إلا بقنابل عنقودية
في جهة واحدة تحشرينها 
وتزعمين أنها
تناضل من أجل الحرية
ليس كل ما في الخارطة
أسماء مدن
ولا كل مايلوكه الفراغ
هو طُعْمٌ طازج
وما هناك من مقياس رسم
هناك نافذة فقط
مرسومة في الجدار كقبو
تعلوها تشققات بهيئة بندقية
حين انعكاسها في حناياها
بمرآتها المحدبة
يَعسُرُ تأمّلها من الأسفل
المرآة ضرتها القميئة كل صبح
كل يوم تعيرها
بالتجاعيد التي تأكل وجهها
حين تتأمله
وهي واقفة أمام تسريحتها بحرقة
تكاد تصرخ في وجهها :
هيروشيما هيروشيما
سيول غزيرة
وطبول تقرع 
ومعابدُ شمس
خيول يدربها الغرباء على الصهيل
وجيوش مهزومة
جيوش مهزومة كانت قد قرأت فناجينها
من حوافر الصهيل
فجاءت سيئة الطالع
إنه الموت الملون
في كل صباحاتها
راسماً كل ماتتخيله 
علب الميك آب
مصفوفة أمامها ككائنات هشة
متذمرة من السأم
فساتينها معلقة على المشاجبِ
كقرابين
قناني العطر متناثرة كضحايا
الضحايا عِبَر 
لكنها لا تتعظ
هي تعلم فقط
أن الحرب يشعلها قلةٌ
لايشاهدون التلفاز
بينما يحتشد الشعب كله 
أمام القنوات
عليها أن تتذكر الريموت كنترول
وتحدق جيدا في قلب المجهر
زرٌ  واحدٌ
ويتدفق منها الماء
الماء لا يتدفق إلا كحبر أحمر 
يُؤول ما يراه من احلامها
كشظايا
شظايا يطلع منها
فرسان على هيئة شجر
شاهرين سيوفاً صدئةً ومنادين :
هيروشيما هيروشيما
هيروشيما ويصدح صوتٌ
من الجدار : ماذا بعد أيها القتلة؟!
لمن هذه الأرض؟
لمن تلك المرآة؟!
لماذا هذه الجلبة؟!
ثم يصدح صدىً يتلعثم
والشقوق أعلى القبو
تتسع وتتسع وتتسع
فتأخذ شكل الجورنيكا
بكائنات رقمية
تغتال حماما زاجلا
أمكنة تتداخل في بعضها
لتنتهي كهلام
وآلات عمياء تجيد الطفو
وكاميراتٌ
ممعنة في رصد موال الدم 
والقادم راية سوداء
مفتوحة على الأفق 
بينما المتحاورون في الفنادق يدركون جيداً
الفوهات التي انطلقوا منها
ويدركون متى سيغلقونها
ثم ماذا بعد أيها القتلة؟ 
هبوا لي وجهاً واحداً
أتأمل فيه غنج الأسماء
هبوا لي صوتاً يصدح من الجدار
وصدىً يتلعثم 
إحتسوا قهوتكم بمرارة  
كل ما أنقله لكم خبر عاجل
الفرقاء من مزاد واحدٍ
يجلبون السلاح
ويلتقون وفق خطط جنرالاتهم الحكيمة
والتاريخ مقعٍ كرجلٍ مسنْ
تلتهم عيناه النساء الحسناوات 
وكائنات رقميةٌ
تغتال حماماً زاجلاً 
يحصي الأصابع بندم
هيروشيما
هيروشيما 
هيرو
 شيما.