إتاحة الخيال وتأهيل التقوّل

ثقافة 2021/07/29
...

  محمد يونس
 
متاح الخيال الادبي: ما تمثله القصة القصيرة من فن طبيعي وتعبير ادبي للمقومات الاجتماعية، واذا كانت عرفا القصة هي المتاح الاجتماعي، وكل يوم يمر بنا يشهد العديد من القصص المتنوعة الإيقاعات، فرغم الكثافة الاجتماعية واسعة تكون نجد ثمة نكهة بالكثير من القصص التي تمثل نصوص الواقع، وشدة التفاعل الموضوعي بين القص وبين حقيقته الاجتماعية لا ينقصه إلا الحس الادبي من جهة، ومن جهة اخرى ينقصها ذلك الخيال الخلاق، والذي تسمو به القصة في فضاء الفن الساحر، فمذاق الخيال القصصي ونكهته لا نشعر به إلا اذا رسم لنا الفن القصصي واقعه المفترض عبر تجسيده كحقيقة اجتماعية استثنائية مرنة وليس كصلابة الواقع الحقيقي، وتألق الخيال الادبي في قصص – مركز الدائرة جنوبا – لهدى جبار الغراوي جعل القصص تدخل في مجاز النص، اي اكتسبت القصص تلك الروح الباهرة، خصوصا في تصعيد افق السيماء، اي أنك تقرأ من جهة ومن جهة اخرى تشاهد المشهد القصصي.
نكون بعد القصة الاولى في مواجهة نصوص عسيرة في تمسكها بالفن النصي، لكن هي بضفة واقع قصصي، لكنه رحب يتسع باستمرار دلاليا، حيث هوية تلك القصص النصية احتملت فنيا استبدال البشري بالايقوني من جهة، او تخليق شخوص استثناء لكن نلمس تفاعلهم، وكان المستوى الفكري للقصص جدليا وهذا ما مكنه من التوازي مع واقع القص النصي الصفة، والخيال الادبي اتاح للأوراق البيضاء أن تكون معادلا نوعيا للفعل البشري، وقد لعب الخيال الادبي في تطوير المعنى ومستويات الدلالية، وهناك ايضا ما نرى هناك بعدا رمزيا تلعبه بعض الصفات الرمزية مثلا خصوصية بياض الاوراق، وفي قصة اصوات مالحة – حين يكون الخش بديلا حسيا، هدفت القاصة الى تأكيد اهمية رمزيته، وأن تكون الفكرة تمتلك المشاعر والاحاسيس وتسرد لنا ايضا وضعها المتعدد الوجوه، وانتقالها من شخوص الى أخر، وتشكل قصة – جوع دائري – مقدرة فنية جديرة وكما هي نسق نصي استثنائي قصصيا يملك طاقة فنية في اختراق المنطق العام من دون خلخلته او ازاحته، فالفكرة هي بما أنها داخل رؤوس بشرية، فهي تمثل خطابهم وافكارهم والمسؤولية تقع عليهم. 
عدم التفريط بالتقول: في المعتاد العام لمسنا أن القصص هي تعبيرات اجتماعية يزوقها الفن والخيال والحس لتكتسب طبعا ادبيا من دون فقدان ميزتها الاجتماعية، ورغم أن التصنيف اللساني للغة يؤكد لنا أن نسق اللغة ادبيا وليس اجتماعيا، لكن تبقى المقومات الاجتماعية توازي المقومات الادبية في بعد بنيوي، وايضا يعكس احدهما الاخر، وقد لمسنا اضافة للميزات الفنية في بنية القص هناك تقولات متعددة الوجوه، فأن يكون هناك حيوان يتكلم فذلك امر راجح فالحيوان يتكلم فعلا، واختياره لغتنا لنصل نحن اليه ولأحاسيسه، لكن أن يتكلم باب او تتحدث فكرة بدلا من صاحبها، فتلك صيغ اكثر جدارة، وهذا يعني أننا نواجه نصوصا فنية باطار قصصي، وقد جاء ذلك التنوع في صفة القول البديل او ما يسمى التقول لتبديد النمطية والافق الواحد في بنى قصص المجموعة.
تفسير بنية القص نصيا من الطبيعي أن يختلف كثيرا عن التفسير العام للقص، ومؤشر العصر وسرعة زمنه ايضا هي مؤشرات مضافة لدعم فكرة النص اكثر مما تدعم فكرة القص، وطبيعي في القص هناك مقومات اجتماعية تداولها الفن الادبي ليمنحها طاقة مضافة وليكتسب هو حقيقتها ومصداقيتها، لكن تفسير الفن القصصي ابعد من ذلك هو جائز وقابل للإمكان، لكن صيغ التوظيف والتجريب تبقى هي المؤشر الذي وفقه يقاس، وتجربة النصوص القصصية عند هدى جبار الغراوي صراحة تحتاج الى وقفة نوعية، فهي قدمت لنا الاستثناء القصصي من دون ضجيج ولا تباهي، وجعلت امثلتها متعددة في التقول، فمن حيوان الى نبات وهو الباب، ومنها الى الاصعب والاشد الذي يسرته آليات الكتابة، فاذا اعتدنا على تناول الافكار لفظا، استبدلت القاصة ذلك بجعل الفكرة هي التي تتكلم وتعبر عن حالها، وتلك المفارقات النصية قد صعدت من المضمون الجمالي للنصوص
القصصية.