شعر اللغة وشعر المعنى

ثقافة 2021/07/29
...

طالب عبد العزيز 
 
 يرى الشاعر سامي مهدي بأنَّ الشِّعر إنما يُكتب بنمطين أو طريقتين (شعر اللغة، وشعر المعاني) وهو يميل ويعتمد الأخير في مجمل شعره. وأرى أنه رأيّ سديد وجميل، إذ إنَّ المعاني بُغية القارئ، وهي ضالته في التذوق والاستشعار، وأنَّ معظم ما نقرؤه مترجماً من الشعر المكتوب بلغات أخر ينحو المنحى هذا، ويجد صداه عند القراء أيضاً. 
وبدا لنا أنَّ اعتماد اللغة في الشعر خصيصة عربية، لما فيها من وقع صوتي، ومن بلاغات ومجازات، وأنَّ تشبّع الشَّاعر العربيّ بها هو ما يغريه باعتماد النمط من الكتابة هذا، مع صعوبة أو استحالة ترجمته الى اللغات الأخر، الامر الذي قد يفقده الكثير من أهميته.
  أستطيع القول بأنَّ اللغة والعربية بخاصة تمنح العربيَّ، والمستشرق أيضاً، كاتبا وشاعراً وقارئاً... فضاءً سحرياً، وإغواءً صوتياً لا يقاوم أثناء الكتابة، نابعاً من التناسق الصوتي في الحروف، وبناء الجمل، ومن الاحساس الذي تفعله القراءة، مسموعةً ومهموسةً، وكذلك يفعلُ البناءُ المحكمُ فعلته في الشعر بخاصة، ويستطيع الصانعُ الماهرُ الذهابَ بنا الى مدياتٍ اوسع، بما ينسينا الخوض في المعاني والغايات - مع يقيننا بأنَّ الشعر بطبيعته غيرُ معنيٍّ بالمعاني- بمفهومها التقليدي، لكنْ، قد يحكم الشاعرُ، صاحبُ المعاني قبضته على لغته، فيوازن بينها والمعاني في صناعة قصيدته، ويأتي لنا بما يضعنا بين تساؤلين كبيرين، هل أنت مع شعر اللغة أو مع شعر المعنى؟ 
  وبين السؤالين هذين يدعونا حراكُ المعرفة ومنطقُ العصر الى القول بأنَّ الانسان بحاجة الى أجوبة، والشعر مطالب ببعض الاجوبة هذه، وقصيدة اللغة تعجز عن ذلك، في حين تجترح قصيدةُ المعنى بعضاً منها، وهنا نرانا منحازين الى القصيدة الثانية، لأنها تجعلنا في إجابة السؤال، لكننا، قد نجد مثل الاجوبة هذه في بعض قصائد أدونيس مثلاً، تلك التي اعتاشت على اللغة، لكنها لم تفرّط بالمعنى، وهذه ما اطلق عليها بـ (القصيدة الكونية) كما ونجد أمثلةً مشابهة في كثير من الشعر العربي، الذي كتب بوعي الطريقتين (اللغة والمعنى) وبما جعلنا نتقبله ونُكبرُه قيمةً لما فيه من عناية بالغة باللغة أولاً، ومن اكتناز في المعاني ثانياً، وهذه المقْدرة نجدها عند سعدي يوسف أيضاً، مثلما نجدها في كتب شعرية عربية كثيرة.
  برأيي البسيط، فإنَّ الشعر وفنون الكتابة الاخرى لم تعد متقيدةً بأسلوب وشكل معينين، فقد اخذ الشعر من فنون كثيرة ما أخذ، وأخذت الرواية من الشعر وسواه ما أخذت، واتسعت الاشكال، وتعددت الاساليب، لكنْ، تبقى لكل شاعر طريقته وآليته، التي تبناها في تجربته، وعرف بها، ولم يعد نفسه خارجها. كنتُ قد مِلتُ الى تغليب اللغة في شعري كثيراً، وأعترف بأنَّ اللغة خادعةٌ، والمعاني أولى بالعناية، لكنَّ الجمع بينهما مقصدٌ سأظل أسعى اليه.