خدعة التاريخ وعلم العراق

آراء 2021/07/31
...

 زهير كاظم عبود 
بدأت معركة (صفين ) في الأول من صفر سنة 37 للهجرة، وصفين منطقة تقع بين العراق والشام، وحين دارت المعركة واشتد القتال، لاحظ الجيش الأموي الانتصارات التي سجلها جيش الامام علي بن أبي طالب (ع)، واقتراب جحافل جيش مالك بن الأشتر منهم، دفع معاوية بن أبي سفيان لإيجاد حل سريع، وللتفكير بطريقة ما لإيقاف هذا الانتصار والزحف السريع على معسكر معاوية ولو بشكل مؤقت، فتفتقت عقلية عمرو بن العاص عن خطة أو مكيدة أو خدعة، يتم اعتمادها باللجوء لطلب تطبيق حكم القرآن، وأن يقوم جيش معاوية برفع المصاحف فوق الرؤوس.
 
 وما أن رفع الجيش الأموي المصاحف حتى انبرت مجموعة كبيرة من جيش الامام علي (ع)، يقال إنهم ثلاثة أرباع جيش الامام، طالبين منه الاستجابة الى طلب الجيش الأموي، وعبثا حاول الامام (ع) أن يوضح لهم أبعاد الحيلة، وذهبت كل ايضاحاته ومناقشاته معهم أدراج الرياح، حيث انطلت الحيلة والخديعة التي رسمها عمرو بن العاص عليهم.
وأمام الظروف القاهرة ومستجداتها الخطيرة لم يكن أمام الامام علي (ع) الا الإذعان لتلك المطالب، وصار الأمر في الاحتكام الى التحكيم، وتم ترشيح عمرو بن العاص وهو صاحب الخدعة عن جيش معاوية، وأبو موسى الأشعري عن جيش الامام علي (ع). اتّفق الجيشان ـ جيش أهل الشام وجيش أهل العراق ـ على مبدأ التحكيم، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل أهل الشام، وكان أبو موسى الأشعري المفاوض من قبل أهل العراق.
وصار الأمر بالرغم من الاختلاف حول ابو موسى الأشعري الذي لم يكن عليه التوافق، وكان من الطبيعي أن يتعرض الأشعري الى الخديعة، فقام بخلع الامام حسب الاتفاق، بينما قام العاص بتثبيت معاوية في السلطة، وهكذا انتهت الخدعة على هذا الشكل. 
هذه الخدعة نفسها حاولت جماعة الإخوان في مصر أن تستغلها في الشارع لمواجهة جيش مصر، الا أن الوعي الشعبي واليقظة المصرية أفشلت تلك المناورة البائسة وردتها على اعقابها فلم تفلح ولم تنجح، فلم يتمكنوا من تحويل ضياع حلمهم في السلطة الى حرب شعبية وقتال بين الناس. 
وفي التاريخ الحديث قام الطاغية صدام حسين بتغيير معالم راية البعث، التي لم تزل ترفرف فوق رؤوس العراقيين حتى اليوم رغما عن انوفهم، وحين تمت محاصرته اراد أن يتبرقع بالدين لعله يجد منفذا في استمرار سلطته ودكتاتوريته البغيضة على العراقيين، فبدأ بحملته الإيمانية المزعومة، ثم قام خلالها بكتابة اسم الجلالة بالدم وسط علم البعث، تعبيرا عن تستره براية الإسلام واسم الجلالة، فكتب عبارة (الله أكبر)، وهو يرتكب أبشع المعصيات وأشنع الجرائم في التاريخ الحديث، وهو أبعد الناس عن الدين، ولما سقطت سلطة صدام، وفكر السياسيون الجدد بتغيير معالم راية البعث، انطلت عليهم خديعة صدام فأبقوا اسم الجلالة مكتوبا وابقوا ايضا على المعالم الأساسية لراية حزب البعث، واكتفوا بتغيير نمط الخط لعبارة (الله اكبر)، التي خطها الطاغية، ولم يتمكنوا  من التخلص من مخطط تمرير الخديعة عليهم، بالرغم من مرور عدة دورات نيابية كل دورة 4 سنوات، حيث سيبقى هذا العلم فوق رؤوس العراقيين لزمن غير قصير. 
وحين ظهرت العصابات الإرهابية الى الواقع، لم يكن امامها سوى أن ترفع راية سوداء تتخللها عبارة اسم الجلالة، وبالرغم من تعدد واختلاف العصابات الإرهابية، الا انها كانت تتوحد في خدعة الراية التي اعتمدتها عصابات القاعدة الاجرامية، وحين ولدت القاعدة عصابة مشوهة وخطيرة تحت اسم ( داعش )، كان لا بد أن تكون لها راية تتشابه مع راية القاعدة الأم، فكانت الراية السوداء التي تتخللها عبارة (الله – رسول – محمد )، وهي عبارة غامضة لا يعرفها الا اتباع العصابات الارهابية الدموية، وهي وإن اختلفت عن رايات العصابات الإرهابية المختلفة، حيث كتبت هذه العبارة باللون الأبيض وسط دائرة سوداء، الا انها تشكل نتيجة واحدة. 
هذه الراية خدعة تتستر بها عصابات داعش، وما هي الا برقع لخداع المضللين، ويتعدى ذلك حتى الى الأبطال من أبناء جيش العراق وقوات البيشمركة وقوات الحشد الشعبي وهم يسحقون فلول الداعشيين، ويغيرون على مواقعهم، الا انهم يتحرجون من تمزيق راياتهم أو حرقها، وكأنهم صدقوا بأنها مقدسة أو صادقة في كتابتها، وهي بالملموس تتناقض قولا وفعلا مع الخديعة التي تتبرقع بها العصابات الدموية الإجرامية. 
القاتل لا يمكن تصديق روايته انه يقتل من اجل الله، وهو ليس وكيلا للخالق، ولا يمكن ان يخدعنا تحت أية راية وتحت أي اسم، فهو قاتل وجزار وسفاح يفتك بأرواح الناس ويدمر البلاد والعباد، وهو خصم حقيقي يسيء للإسلام والمسلمين، ولهذا لا يمكن ان تكون رايته حقيقية، وما هي الا واقعة من وقائع الخداع التاريخية التي استعملها عمرو بن العاص ومارسها الطاغية صدام ونهجها الداعشيون. 
اعيدوا للعراق اصالته ورموزه، واعيدوا لنا علم العراق البهي الملون، وان يتضمن كما كان ما يرمز للعرب والكرد والتركمان ولدجلة والفرات والنخيل ولمحافظاتنا التي شبعت قهرا وظلما.