آثار من مرحلة الأمومة في عصر ما قبل الاسلام

آراء 2021/08/02
...

  أ. د. نجاح هادي كبة
مرحلة الامومة: هي المرحلة التي ترك فيها الرجل الريادة للمرأة في توفير الاحتياجات الاساسية من مأكل وغذاء وحاجة للدفء واللباس، وهذا شكل أول أسباب الصراع والمواجهة بين المجتمعات، فانبثقت عنها تصورات لأشكال متعددة من الآلهة المؤنثة مثل عشتار وأنانا وليليث ونينورساغ الرافدينية ومناة والعزى لدى العرب ما قبل الاسلام.
 
ومع تزايد الصراع بين المجتمعات البشرية لتوفير الاحتياجات الحياتية، انتقل مركز ثقل الأسرة من الأم نحو الأب {عن الانترنت، بتصرف، plog.wordpress.com } وعرفت هذه المرحلة عبر امتداد التأريخ فهي منتشرة عند الامم القديمة كاليونان والرومان العرب، ولا بد من الاشارة الى أن علماء الاجتماع لاحظوا (في دراستهم لأوضاع المجتمعات البدائية والقديمة أن بعض العشائر تنتسب الى الأم، وان بعضها الآخر ينتسب الى الأب. 
فقد حاول بعض الباحثين ان يثبتوا ان أقوام شبه الجزيرة العربية قد عرفوا في مرحلة ما قبل التأريخ نظام الامومة. 
وقد بقيت بعض آثاره حية في مجتمعهم في ظل نظام الأبوة، وكان من مظاهر ذلك ما يأتي:
1 - ان كلمة {رحم} هي اكثر الكلمات شيوعاً للدلالة على القربى عند اقوام شبه الجزيرة العربية.
2 - ان كلمة بطن التي يستعملها العرب بمعنى الأسرة أو العشيرة، تشير الى أن المرأة كانت في الأزمان الغابرة مصدر الأسرة ومحورها...)، {د.هاشم يحيى الملاح، الوسيط في تأريخ العرب قبل الاسلام، دار الكتب العلمية، بيروت، 2008 م، ص: 356}.
 وقد اتضحت آثار هذه المرحلة أيضاً لدى سكان شبه الجزيرة العربية في التسمية، كأسماء الآلهة والأماكن والحيوانات والقبائل والأفراد، من اسماء الآلهة المؤنثة، اضافة الى اللات والعزى ذي الخَلَصَة ونائلة ومناة وغيرها، ومن اسماء الأماكن المؤنثة، الكعبة، نخلة، تبالة، طيبة، ومن اسماء الحيوانات المؤنثة، ضبة، بنو حُيية، لبوة، غزالة، ومن الأسماء المؤنثة التي سمّوا بها المذكر، طلحة، معاوية، قتادة، النابغة، (وان العرب قدّسوا من سمّوهم بنات الله وكنّ من الدرجة الأولى تمثيلاً للقوى المولودة في الطبيعية، وتذكر بعض الروايات على تعّبد العربي للشمس، وعلى مخاطبتهم لها (الإلاهة) (لاهة) {ريتا فرج، المرأة في العصر الجاهلي الوجوه الخفية والأدوار المتناقضة، عن الانترنيت} ومن القبائل العربية التي ينسب ابناؤها الى امهاتهم، خندف، وجديلة (كما كان ينتسب الى خندف كذلك بطون عدة كمزينة والرباب وضبّة وصوفة والشعير وتميم وهذيل وغيرهم، بل ان الزوج نفسه كان يتسمّى باسم امرأته ومن ثم يقال لأياس خندف، إذا كان أبا لمن أمه خندف، ويقول بعض علماء الانساب إنه كان لمعد بن عدنان إمرأة جرهمية اسمها قضاعة، فلما جاءت بولدها سمته باسمها) {د.هاشم يحيى الملاح، المصدر السابق، 
ص: 356 – 358}. 
وان من ملوك العرب من سمّي باسم امه مثل عمرو بن هند، كما ان العربي في الجاهلية لا يفرِّق بين الآلهة الذكور والاناث في حالة الاستعانة بها في الحرب، فقد كانوا يحملون تماثيلها وصورها إلى ساحة المعركة التماساً لشفاعتها في الحصول على النصر في الحرب، وهذا يعني في اللا وعي الجمعي للمرأة تساوي سلطة الذكورة مع الأنوثة وتوقف الصراع بينهما على الريادة، ومن آثار سلطة المرأة في العصر الجاهلي ان البدو كانوا يحترمون (المرأة.... وهي تشارك الرجل في كل اعماله كما تدير المنزل وتربّي الطفل وهي صاحبة الأمر من الوجهة العملية، فهي الشخص الذي يوكل اليه بناء الخيمة... تستقبل الضيف بغياب زوجها... تسمَّى أولادها لأنه حقَّها إلا في ما ندر... فقوة شخصيتها وبروزها في المجتمع لا تستمدها من الرجل، وإنما من أساسيات كامنة في ذاتها) {د. عبد المنعم جبري، المرأة عبر التاريخ البشري، دار صفحات، سورية، دمشق، 2014، ص: 213 – 214، ط3} وان سلطة المرأة في تحريض الرجل على اخذ الثأر في عصر ما قبل الاسلام توحي في اللاوعي الجمعي الى الصراع بين الذكورة والأنوثة، ومحاولة الأنوثة تسلّم زمام الحرب، كما تظهر سلطة المرأة من خلال المصاهرة، ان زعامة المرأة للقبائل العربية قبل الاسلام قليلة وفي سنة (745 – 727 ق.م) دفعت ملكة عربية اسمها (زبيبي) الجزية الى {الملك شلمنصر} وكانت تحكم (أريبي) أي العرب، ولم يحدّث النص الذي سجّل هذا الخبر عن مكان الاعراب أتباع (زبيبي) وقد ذهب (موسل) الى انه أدمو  (Adumu)، أي دومة  (دومة الجندل)، وذهب أيضاً أن الملكة كانت كاهنة على قبيلة (قيدار(Kedar وزبيبي هو تحريف الاسم (زبيبة) وهو من الأسماء العربية المألوفة) {د. جواد علي، المفصل في اريخ العرب قبل الاسلام، ج1، ط1، 2006، آوند دانش، ص: 454}. ويضيف د. جواد علي أيضاً أن شلمنصر قهر ملكة عربية أخرى اسمها (سمسي) (samsi) (شمسي) (shamsi) .
 والقرآن الكريم يورد قصة ملكة سبأ ـــ حكمت ما يعرف اليوم باليمن – ووصفها القرآن الكريم بأنها (أوتيت من كل شيء)، (ولها عرش عظيم) فهي حققت مقاصد الدولة. إذ حيدت الأعداء كما رسخت أسس التنمية الشاملة والمستدامة وارست دعائم الديمقراطية ودولة المؤسسات، حتى أضحت مملكة سبأ طيلة حكم بلقيس واحة للاستقرار والازدهار) {بشير عبد الفتاح، عبقرية بلقيس ملكة سبأ، عن الانترنيت، google.com/search}  ولا بد من الاشارة الى أن الصراع بين الذكورة والانوثة على ريادة السلطة لم ينته في كل نواحي الحياة، التي ورد بعضها في هذا الموضوع.