كماشة نار

آراء 2021/08/04
...

  د. كريم شغيدل
 
منذ تأسيس الدولة العراقية وقاموس الخيانة ينمو بصور متعددة، وكانت ولا تزال تهمة الخيانة أقرب تهمة لإسقاط الخصوم السياسيين، وعبر تاريخنا السياسي المعاصر تنوع العزف على وتر الخيانة بتبادلات دلالية عديدة، فمن يتهم خصمه بالعمالة لأميركا فهو عميل لألمانيا، ومن يتهم الآخر بالعمالة لروسيا فهو عميل لفرنسا، فضلاً عن العمالة لإسرائيل، التهمة الأكثر إثارة وخطورة، ثم العمالة لإيران، وتطور القاموس ليشمل العمالة لتركيا وللسعودية ولقطر إلخ.. 
الآن لم تعد مفاهيم الخيانة فاعلة، مثلما كانت سابقاً تودي بالمتهم إلى حبل المشنقة، المفهوم ذاته لم يتغير، لكن تغير فهمه، قد يكون هناك مفهوم آخر متفق عليه دولياً هو التخابر مع دولة أجنبية، ويعد خيانة عظمى بحسب القاموس القضائي السياسي، هناك عمليات تجميل أجريت لبعض المفاهيم التي أصبحت تقليدية، تحت مسميات العلاقات الدولية، حتى أكثر الخيانات خطراً أصبحت تطبيعاً.
العالم كان مقسوماً إلى نصفين بين قوتين كونيتين هما أميركا والاتحاد السوفياتي، وبعد سقوط الأخير، أصبحت روسيا وريثاً شرعياً لموروثه التقليدي من العلاقات مع الدول المعادية لأميركا، وهناك تساؤل قديم مفاده: لماذا يتهم بالخيانة من يتبع أميركا؟ ويبرأ من التهمة من يتبع السوفيات أو وريثهم حالياً، لا سيما أن قوى كبيرة برزت كالصين والكوريتين واليابان وألمانيا وفرنسا فضلاً عن بريطانيا، لماذا نحاول إيجاد مبررات لمن يرتبط حد العمالة لدول أخرى غير 
أميركا؟
أميركا التي عبرت بجيوشها وأساطيلها البحار والمحيطات لإسقاط نظام صدام، هل تعتقدون أنها تترك العراق لقمة سائغة لأعدائها؟ سواء كانوا أعداء سياسيين أو اقتصاديين، نحن ضد التواجد العسكري الأميركي، لكن هل يمكن بكل بساطة حرمان أميركا من بعض المصالح السياسية والستراتيجية والاقتصادية التي عقدت الآمال عليها حين غزت العراق؟ وواقعاً من مصلحة العراق أن يرتبط بأميركا بعلاقات استراتيجية وأمنية ومصالح سياسية واقتصادية ذات منفعة للطرفين، على ألا نفرط بعلاقاتنا المتوازنة مع الدول الأخرى، لكن ليس على حساب مصلحة البلد، ولا نتحول إلى(كماشة نار) لأي طرف ضد أي طرف آخر، وهذا ما نأمله من قواعد الشراكة في مختلف المجالات التي صرح بها السيد الكاظمي عقب زيارته الأخيرة لأميركا.