المخطوطات

ثقافة 2021/08/04
...

لؤي حمزة عبّاس
 

فرنسا تستردّ أشهر مخطوطة للماركيز دو ساد بعد أكثر من قرنين على كتابتها، خبر نشره الأستاذ كامل عويد العامري مترجم (أيام سادوم المئة والعشرون) إلى العربية على صفحته، وقد صدرت الترجمة عام 2017 عن دار ألكا، والماركيز دو ساد من أكثر الكتاب إشكالية في الثقافة الفرنسية، وقد قال عنه إيهاب حسن في كتاب (تقطيع أوصال أورفيوس) كلمته اللامعة، “قدر بعض المؤلفين هو الاضطلاع بعبء الكشف عن الظلام في أحلامنا، وبذا تحويل التاريخ إلى نبوءة”، وذلك ما نهض به دو ساد بالتحديد، إضاءة عتمة الانسان الداخلية واستنهاض الدفين من رغباته وهواجسه، إنها واحدة من أصعب المهام في الكتابة: الكشف عن الظلام في أحلامنا، المهمة التي مكّنت سيغموند فرويد، مع بواكير القرن العشرين، لتقديم نظريته في العقل واللاوعي وتقنية إعادة تحديد الرغبة الجنسية والطاقة التحفيزية، وقد جوبه دو ساد وقتها، كما هو متوقع، بالصدود والنكران طويلاً وحُجب أدبه فلم يسمع به أحد حتى مجيء السورياليين الذين عدوه واحداً منهم كما عُدّ أدبه من منظورهم طليعياً منذ ذلك الحين، هذا الصدود الذي تنبأ به ساد فأطلق صرخته من أعماق سجنه، حيث سجن لفترات متقطعة نحو اثنين وثلاثين عاماً، منها عشر سنوات في الباستيل، “أنا فاجر، لكنني لست مجرماً أو قاتلاً”، مخطوطة دو ساد استردت بعد أن أطلقت الحكومة الفرنسية نداءً لحشد الدعم لذلك، وقد تجاوزت قيمة المخطوطة الأربعة ملايين ونصف المليون يورو، وتحدثت وزارة الثقافة الفرنسية عن الرواية بوصفها “المعلم الحقيقي والنص الرئيس للنقد والمخيلة” لافتة إلى أنها “أصبحت من الكلاسيكيات، وتركت أثراً عميقاً على مؤلفين كثر”. لن أتتبع مسير رواية دو ساد من النبذ إلى التبّنّي، حتى عدّت أخيراً بمثابة “كنز وطني”، ولن أخوض في خصائصها الجمالية أو جوانبها الأخلاقية، لكنني أفضل بدلاً من ذلك، النظر في موضوعة مخطوطات مبدعينا الشعرية منها والنثرية التي لم تتجاوز أعمارها العقود وكان الضياع مصيرها فور رحيل كتّابها، وقد تبنت أعمالهم مهمةً ليست بالسيرة في تقديم صورة بانورامية للإنسان العراقي وتجربتيه الشعورية والحياتيه على امتداد قرن من الزمان. تعادل أهمية المخطوطات أهمية الكتب المنشورة وتتجاوزها أحياناً بما تحمل من مؤشرات وعي كتّابها وكشف مراحل كتابتها وما مرّت به من تحولات حتى اتخاذها صيغتها النهائية، لتمثل الدعوة لاستعادة ما تبقى منها بعضاً من الحفاظ على الروح العراقية التي تعيش منذ أكثر من نصف قرن اختبار وجودها.