الحملة الوطنيَّة.. دروسٌ تُقْتَنَصُ مِنَ التاريخ

آراء 2021/08/04
...

  حسين الصدر
 
- 1 -
الانطباع العام عن الملوك والسلاطين الذين حكموا البلاد والعباد هو أنهم متغطرسون متكبرون غلاظ القلوب، لا يبالون باراقة الدماء ولا يعيرون أهمية للفقراء والضعفاء.
وهذا الانطباع قد يصدق على كثير منهم ولكنه لا يصدق على ا
لجميع.
فلكل قاعدة استثناء – كما يقولون – 
 
  - 2 -
وقد قرأت انّ (القائم بأمر الله) العباسي ت سنة 422 هـ جاءه (محمد بن علي الوكيل) وكان قد حمّله أصحاب الحاجات رقاعاً طلبوا منه ايصالها الى السلطان – 
وحين رآها كثيرة 
قال:
لو كان الخليفة أخي او ابن عمي وَأَعْرِضُ عليه هذه الرقاع لأعرض عني، وبادر الى القائها في بِرْكةِ ماءٍ، فَعَلَ ذلك من دون أنْ ينتبه الى أنَّ السلطان ينظر اليه، فحين دخل الوكيل على السلطان أمر السلطان الخدم بأخذ الرقاع من البركة فتبادووا اليها، وبسطوها في الشمس فعلوا ذلك لأن الرقاع كانت قد ابتلت 
بالماء،
وكان الخدم ينتظرون جفاف الرقاع التي أخرجوها من الماء ووضعوها تحت أشعة الشمس، فكلما جَفّتْ قصة حُمِلتْ الى السلطان فنظر فيها ووقع عليها جميعا.
ثم خاطب الوكيل – وكان قد ساءه ما فَعَلَ.
ما حَمَلَكَ على هذا الفعل؟
وهل كان عليك في ايصالها ضرر؟
فجاء الجواب باهتاً،
فقال السطان:
"ويحك ما أطلقنا من أموالنا شيئاً بل نحن وكلاء،
فلا تَعَدْ الى مِثْل هذا الفعل، 
ومتى وَصَلَتْكَ رقعةٌ فايّاك أنْ تتوانى عن عرضها عليّ..
المنتظم ج15 ص 219 
 
 - 3 -
أقول:
كم لهذه القصة من نظائر في واقعنا المعاصر،
والناس تلجأ الى مَنْ لهم صِلةٌ وثيقة بالمسؤولين، وتطلبُ منهم أنْ يعرضوا عليهم شكاواهم، وهم يظهرون القبول بايصالها ولكنهم لا يفعلون، خشية ان يتضايق المسؤولون 
منهم!.
مع أنَّ المسؤول الشريف يحرص على خدمة الناس، ولا يرضى بوقوع الظلم على أيّ واحد منهم. 
 
 - 4 -
والسؤال الآن :
هل نجد في السلطويين المعاصرين مَنْ يعد نفسه وكيلاً عن المواطنين في الاموال التي بين يديه؟.
انّ المواطنين قد لا يخطرون بباله على الاطلاق، لأنّه في وادٍ وهم في واد آخر، ومعظم السلطويين لا يهتمون الاّ بأنفسهم وأقربائهم وأتباعهم، وليكن على رؤوس الآخرين 
التراب!.
 
- 5 -
ان التاريخ لا يرحم أحداً على الاطلاق فكما سجّل (للقائم بالله) موقفه الانساني النبيل الذي ذكرناه، سيكتب أيضا عن كل السلطويين الذين خانوا أماناتهم، وتنكروا لمواطنيهم وأجحفوا بحقوقهم، وستحل عليهم لعنة التاريخ، بعد أن حلت عليهم لعنة المظلومين الذين تجرعوا المرارة وكؤوس العناء بسبب تهاونهم بهم واعراضهم عن الاصغاء لشكواهم.
 
وهنا تكمن العظة.