قراءة في كتاب (شخصيات مأزومة وأمكنة قاتلة)

ثقافة 2021/08/05
...

 أمجد نجم الزيدي
 
لا تحيلنا مفردة (الأزمة) في عنوان الكتاب الذي صدر حديثا للشاعرة السورية المقيمة في الكويت (خولة سامي سليقة) (شخصيات مأزومة وأمكنة قاتلة - الشخصية والمكان في الرواية العراقية المعاصرة (1990- 2019)) الى العناصر المؤشرة ضمن العنوان وهي (الشخصية والمكان) فقط؛ بل الى أزمة أخرى كامنة ومحرضة، ربما تعد -حسب وجهة نظري على أقل تقدير- الإطار العام لتلك الأزمة، وهو التاريخ، لاسيما أن النماذج التطبيقية محصورة ضمن فترة زمنية معينة (1990- 2019)، مما يؤشر الى أن هناك أزمة تاريخية ممتدة على المساحة الزمنية بين هذين التاريخين، رغم ان الكاتبة قد حصرت تحليلها بالشخصية والمكان، الا أن التاريخ والذي مثل إطاراً للأحداث كان محرضاً لنشوء تلك الأزمة وتداعياتها، والذي يظهر بصورة غير مباشرة بين تضاعيف تحليل الكاتبة.
  فدراسة أزمة الشخصية والمكان في الرواية العراقية، لا يمكن تلمسها ربما بصورة واضحة وجلية، ما لم يشر الى أزمة التاريخ، إذ إن التاريخ العراقي الحديث والمعاصر تاريخ مأزوم يرمي بظلاله بصورة مباشرة على الشخصية العراقية المصاغة روائيا؛ وعلى صورة مكانها، وردود أفعالها تجاهه، ويأخذ هذا التأزم أشكالاً متنوعة ومختلفة، تبعا لاختلاف زاوية النظر أو الرؤية التي تنطلق منها الرواية وتمثل ثيمتها.
وأحد مظاهر تلك الأزمة التاريخية -كما أفترض- هو الاسم الشخصي والذي تحدثت عنه الكاتبة في الفصل الاول من الكتاب (الشخصيات بين دلالة الاسم والتصنيف والنمط)، كأحد مظاهر أزمة الشخصية، بما يحمله من دلالة وتأثير على طبيعة تلك الشخصية وبنيتها السوسيوثقافية، إذ تشير واصفة اسماء الشخصيات في إحدى الروايات التي اختارتها للمتن التطبيقي وهي (وحدها شجرة الرمان) لسنان أنطوان، بأن الروائي قد اعتنى (بأسماء أبطاله ومن في مستواهم، فلم تأتِ الاسماء التي اختارها عشوائية اعتباطية بل منحت العمل فنية عالية جراء الدقة في  اختيارها)، إذن فاسم الشخصية له تأثير كبير على بنائها ودلالتها داخل العمل، وربما يكون أيضا مبرزاً لأزمتها، وخاصة مع التعقيدات السياسية في بلد مثل العراق، الذي يمتاز بالتعدد الاثني والطائفي، لان الاسم في العمل الروائي بالتأكيد ليس وعاءً فارغاً، إذ إنه يكشف التوجه السياسي والبيئة الثقافية التي خرجت منها الشخصية، فضلا عن دلالته الطبقية كما أشارت الكاتبة عند مقارنتها بين شخصية (جواد كاظم) وحبيبته (ريم)، في الرواية نفسها السالفة الذكر، واللذين ينتميان الى طبقتين اجتماعيتين مغايرتين، فإذا كان اسم (جواد كاظم) يرتبط بمرجعيات ثقافية معينة، تحيلنا الى بناء تصور عن أبعاد هذه الشخصية وارتباطاتها ببيئتها الثقافية، والذي أشارت إليه الكاتبة بقولها (جاء الاسم يحمل دلالة الجماعة الدينية التي ينتمي اليها والمكان الذي تنتمي الأسرة اليه)، فإن اسم (ريم) لا يحيل بصورة واضحة الى بنية سوسيوثقافية معينة، الا أننا يمكن أن نفترض أن هكذا اسماء، والتي ترتبط بالأسماء المنسوبة للمرأة غالباً كـ (شيماء وغيداء وريم) في هذه الرواية وغيرها، تشير ضمنا الى عدم تأثير هذه الشخصيات في بنية الأزمة، إذ يُختزل دور المرأة كشخصية في حيز دلالتها كامرأة، ويأتي الاسم ليعزز هذه الدلالة، في أكثر الاحيان، وربما لا يلتفت الى الجوانب الأخرى خارج أزمتها الخاصة كامرأة التي يعكسها اسم الشخصية، كما هي أسماء الشخصيات الرجالية.
ترجع الكاتبة حالة «التعميم» للشخصيات التي لا تحمل أسماء، الى معاناتها في ظل النظام الشمولي، والتي هي معاناة مركبة، لأن تغييب الاسم؛ ليس تغييباً للشخصية فقط؛ وإنما هو تغييب للخلفية الاجتماعية التي يعكسها، وللمكان أيضاً، فضلا عن البيئة الثقافية، فكل اسم يحمل جينات البيئة التي خرج منها، وخاصة في أزمان تاريخية معينة، مما يجعل اسم الشخصية جزءاً من أزمتها.
ومن خلال تحليل الكاتبة لأسماء الشخصيات في الروايات التي عملت عليها، وخاصة رواية (وحدها شجرة الرمان) لسنان انطون؛ يمكننا أن نلمس ضمناً، وإن لم تشر إليه الكاتبة بصورة مباشرة وصريحة، الى أن هناك نوعين من أسماء الشخصيات، والتي تعكس الوظيفة السردية للشخصية، وهي:
* الأسماء ذات الدلالة الوظيفية العامة: وهي (ريم، غيداء، شيماء، ستار، صبري) والتي لا تتشكل وظائفها إلا بعلاقات المجاورة.
* الأسماء ذات الدلالة الوظيفية المخصوصة: (جواد، كاظم، أمير، مهدي) والتي لا تتشكل وظائفها إلا بالمواجهة.
لذلك فالأزمة التي تمثلها الشخصيات التي تحمل أسماءها (دلالة وظيفية عامة) هي أزمة عامة، بينما الأزمة التي تمثلها أسماء شخصيات النوع الآخر، فهي أزمة مخصوصة، أي أنها موجهة صوب جهة معينة، أو تمثل دلالة سوسيوثقافية خاصة، فرغم أن الكاتبة قد قسمت الشخصيات في هذا الفصل الى رئيسة وثانوية تبعاً لحضورها داخل الرواية، إلا أن هذا التقسيم الوظيفي الذي أشرنا اليه؛ لا يغيب عن أفق تحليل الكاتبة، وإن كان بصورة غير مباشرة وضمنية.
   وهذا التقسيم لا يحصر هذه الأسماء بهذه الوظائف فقط، وإنما هناك وظائف أخرى لها، أو إحالات، ومنها ما أشارت إليه الكاتبة من ارتباط اسم (جواد) بـ (جواد سليم)، من خلال كونه فناناً تشكيلياً، وطالبا في أكاديمية الفنون الجميلة، وأيضا اسم الاب (كاظم) وكظمه لغيظه وأحزانه بفقد أبنائه، والذي انعكس بهدوئه وقلة حديثه، فضلا عن شخصية العم (صبري) وغيرها، وهو لا ينفي حضور البنية السوسيوثقافية التي أشارت اليها الكاتبة -كما أوضحنا سابقا- أي الى الخلفية الدينية والاجتماعية للشخصيات.
رغم أن الكتاب قد توزع بين ثلاثة فصول تناولت (الشخصيات ودلالة الاسم والتصنيف والنمط) و (طرق تقديم الشخصية) و (البنية المكانية ودلالتها)، إلا أني قد ارتأيت أن أشير في هذه المقالة المقتضبة الى الموضوع المهم الذي أشارت إليه الكاتبة باعتبار اسم الشخصية الروائية يمثل أزمة للشخصية نفسها، ومعضلة كبيرة للروائي، من خلال ما يحمله من إشارات ومضامين.