على طاولة مجلس مكافحة الفساد

آراء 2019/02/23
...

 
عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 
الفساد يتموضع  في كل مفاصل حياتنا !!.. الفساد خرب التنمية ودمر الاقتصاد .. الفساد يتغول .. الفاسد يتجول ، فيرصده العالم الذي يضع العراق في مقدمة البلدان التي يعيث فيها هذا الغول خراباً .. ولكن لا احد باستطاعته ان يطلق النار عليه ليرديه قتيلا ،  او يعتقله ويودعه غياهب السجون !!!
كل هذا الحديث عن الفساد ، والتحديد لمسارات تحركه ، ولكن لم تتمكن الحكومة الى الان من تجفيف منابعه او انهاء تواجده في الساحة !!..
لماذا ؟ .. أَلِضعف الحكومة وعدم قدرتها على مواجهة المفسدين ؟ ام لان المفسدين يمتلكون من القوة ، ما يجعل الحكومة عاجزة عن ملاحقتهم ؟!!
ربما ، هذا وذاك ، وغيره .. اذ من المؤكد ان المفسدين يحملون من المهارة والشطارة ، ما يمكنهم من اخفاء آثارهم وتظليل من يحاول ملاحقتهم ، فعلى الرغم من كل ما يقال عن مؤشرات الفساد ومدركاته ، الا ان احدا لم يقف على حقيقته بالارقام ، لذلك يبقى كل حديث عن هذا الملف ناقصا وليس باستطاعة القضاء البت في امره لعدم كفاية الادلة !!..
نعم ، حاولت الحكومة وبكل ما لديها من قوة ، ان تكبح جماح الفساد وانهائه ، ولكن كل تلك المحاولات لم تؤدِّ الى النتيجة المرجوة ، ليستمر الحديث عن ضياع مليارات الدولارات التي ابتلعها غول الفساد المتغلغل في كل المفاصل .
ولكن ، ونحن نتحدث عن دولة ومؤسسات ، تُرى لماذا نجدنا ضعفاء ازاء الفساد ؟!!
قطعا ان الاجابة عن هذا التساؤل المرير ليس بالامر الهين ، لاننا ان اردنا الاجابة عنه ، فينبغي ان نضع الاصابع على الاسباب التي تسببت بشيوع الفساد وانتشاره وتغوله الى هذا المستوى ، ولايختلف اثنان ان في مقدمة الاسباب وراء هذه الظاهرة المرعبة ، يأتي ضعف الاجراءات وعدم تطبيق القوانين بنحو يردع ضعاف النفوس ، فعلى الرغم من وجود العديد من الجهات الرقابية ، الا انها لم تتمكن من ضبط الايقاع ، اما لماذا ضعفت الاجراءات ، فهذا يعود الى هيمنة هذه الجهة او تلك على جوانب المشهد ، فيأمن المفسدون ، ليمارسوا دورهم المطلوب !!.. 
وسبب آخر ايضا يرتبط بالبيروقراطية المقيتة والروتين القاتل الذي يسهل كثيرا من مهمة المفسد ، لذلك - وللاسف الشديد- باتت الرشوة التي تمثل اهم اوجه الفساد ، ثقافة في اغلب مؤسساتنا ، لاسيما الخدمية منها ، فما ان تطأ قدماك بوابة مثل هذه المؤسسات حتى يتكأكأ عليك "السماسرة" وكل واحد منهم يريد ان يحودك الى قرصه ، وكأنك النار الموعودة لشي ذلك القرص !!.. وكل هذا هو نتاج البيروقراطية التي وفرت البيئة الخصبة لمثل هذه السلوكيات ، التي لم تعد مُستنكرة ، انما يعدها اصحابها شطارة ، وفق مبدأ (زلمة اللي يعبي بالسكلة 
رگي) !!!.. 
وربما ذات الوصف ينسحب على ملف الاستثمار وعدم مكوث المستثمرين الاجانب طويلا في بلادنا ، على الرغم من ان بيئة العراق الاستثمارية تعد بيئة واعدة وتمثل فرصة ذهبية للشركات الاجنبية  ، ولكن بسبب المساومات والضغوط التي تُمارس عليهم ، تجعلهم يشيحون بوجوههم ويغادرون ، لنخسر الكثير من المشاريع المهمة .
طيب ، اذن ما الحل ؟.. هل نستسلم للامر ونترك المفسدين  يأخذون الجَملَ  بما حمل ، ونكتفي بالتفرج ؟!!! .. ام نخرج ونقطع الطريق عليهم ونعيد القافلة الى اصحابها
الشرعيين ؟!!
بالتأكيد ان الجواب سيكون بالخروج ومهاجمة القافلة والامساك باللصوص (المفسدين).. ولكن انّى لنا ذلك ونحن ليست لنا دراية بالصحراء ومتاهاتها، وبالتالي فانهم 
سيفلتون؟!!
قطعا ، ان الامر ليس كذلك ، فطالما اصبح الفساد ثقافة ، فعلينا التعامل مع هذه الحقيقة ومحاربتها من خلال جملة من الاجراءات التي نضعها برسم المجلس الاعلى لمحاربة الفساد المؤسس حديثا ، ومن تلك الاجراءات :
• القضاء على الروتين والبيروقراطية من خلال تسهيل الاجراءات ، لقطع الطريق امام  السماسرة الذين تربطهم علاقات "حبشكلاتية" مع العاملين في المؤسسة .
• اعتماد التقنيات الحديثة في التعامل مع معاملات المواطنين (النافذة الالكترونية) الواحدة وعدم السماح لحدوث اي حالة اتصال مباشر بين المراجع والموظف ، وهذا من شأنه ان يجفف او يقلل من حالات الرشوة .
• اما في ما يتعلق بالاستثمار ، فمن المناسب ان يصار الى ربط الملف باعلى سلطة (رئيس الوزراء) ويكون الخط مفتوحا بين المستثمر والرئيس ، لمعالجة اي مشكلة قد تحدث .
• قيام فرق دوائر البلديات بمراقبة ومتابعة سلوكيات الناس في ما يتعلق بالممتلكات العامة واتخاذ الاجراءات الفورية بحق من يسيء الى تلك الممتلكات ، مثل حفر الشوارع والتجاوز على الارصفة وسرقة الكهرباء والمياه .. الخ .. لان مثل هذه السلوكيات التي انتشرت كثيرا ، تسببت بتخريب الخدمات وحرمان شرائح واسعة منها .
اعتقد ان مثل هذه الاجراءات على بساطتها ستسهم كثيرا في الحد من الفساد بمعناه "الثقافي" ..ومن ثم نتحول الى الجانب السلوكي .يرافق ذلك البطش بكبار المفسدين وعدم التهاون معهم كيما يكونوا عبرة لغيرهم.