نحلم بعراق جديد

آراء 2021/08/07
...

 زهير كاظم عبود 
 
 
كيف لنا أن نتعلم أن لا زعيم أوحد بعد اليوم، ولاحزب واحدا يقود الجميع مثل القطيع، وأن القيادة للجميع والكل مدعو للمساهمة في البناء دون أي استثناء؟.
كيف لنا أن نتعلم أننا أديان مختلفة وقوميات مختلفة ومذاهب مختلفة وكنا ولم نزل نتعايش بسلام ومحبة وتآخٍ وصفاء وانسجام لم يعكر علينا الحياة سوى مجيء صدام للسلطة؟. 
كيف لنا أن نفهم أن الفيدرالية ليست تكريس الانقسام القومي ولا تقسيما للوطن، انما هي صيغة دستورية وشكل من أشكال الحكم شرعها فقهاء القانون، ومارست تجربتها العديد من الدول التي نجحت في تطبيقها واستفادت من تجارب الآخرين، وعلينا الاستفادة من تجربة الجميع؟. 
كيف لنا أن نعرف أن نظام صدام ولى الى مزبلة التاريخ، ونتذكره حين يرد أي شيء سيئ في بالنا؟ علينا أن نتوحد ونتكاتف ونلتحم لنختصر الزمن، فأمامنا طريق طويل للبناء، وهذا الطريق هو أمانة الأجيال المقبلة في رقابنا؟. 
كيف علينا أن نعيد تنظيم مجتمعنا، ونتفحص القيم البذيئة والسيئة، التي جاء بها عصر صدام المنحط، وعلينا أن نرمي القيم السيئة والتافهة ونستعيد قيمنا الجميلة وأعرافنا الأجمل؟. 
علينا أن نتفاهم بالمحبة العراقية وبقدر مساحة الحزن التي تبرقعت بها أرواحنا، وبقدر مساحة الأرض التي توزعنا بينها، وها قد عدنا الى بقعتنا المباركة ونخلتنا البائسة التي تيبس سعفها وكاد يموت جمارها، علينا أن نتجاوز الكثير من رغباتنا الشخصية ونطفئ الكثير من أحقادنا ونتجاوز العديد من خلافاتنا ونتسامح في العديد من قضايانا الشخصية، وعلينا أن ننثر المحبة حقيقة بين بيوتنا نحصنها بها ونسيجها بالقيم العراقية، التي كنا نتبجح بها ونتفاخر بها قيم الشارع والمحلة والمدينة، قيم التسامح والعفو عند المقدرة، قيم العطف على الفقراء والمحتاجين، قيم حماية الملهوف والدخيل، قيم المصالحة والخير والمحبة. 
القيم الجميلة والعريقة التي كان يتحصن بها مجتمعنا وتزيدنا قوة وأصالة، القيم والأعراف الجميلة المتناسبة مع تطور الانسان والزمن.
يحق لنا بان نحلم بعراق يضمن حقوق الأيزيدية ويلتفت اليهم، مشيراً بكل وضوح لدينهم القديم ونصوصهم الدينية الإنسانية والممتلئ بقيم المحبة والخير وتقديس الله، وأن يمنحهم الحق في ممارسة طقوسهم بكل حرية، وان يكون لهم قانون للأحوال الشخصية مثل باقي البشر في ارض الله الواسعة، وان يكونوا فعلا متساوين في الحقوق والواجبات مع بقية العراقيين. 
ويحق لنا بأن نحلم أن للصابئة المندائية في العراق حضورا في هذا الدستور، وأن لهم قانون للأحوال الشخصية يليق بديانتهم القديمة والأصيلة، وألا نجبرهم على الامتثال لغير قانون ديانتهم، وان يعطيهم الدستور ما يتناسب مع حجم عطائهم الوطني وتضحياتهم العراقية. 
وان نحلم بعراق يعطي للكرد الفيلية ما يتناسب مع فجيعتهم الانسانية وتضحياتهم التي فاقت خيالات الانسان وقصص الاساطير في كمية الظلم والتهميش والتشريد، الذي تعرضوا له والذي تسبب بتقطيع علاقاتهم الاجتماعية. وأن نعيد حقوقهم المسلوبة ومواطنتهم الممزقة وأن نمسح دموع أطفالهم ونضمهم الى القلب بعد ان نعوضهم عن الخسارات التي لحقت بهم. 
ونحلم بوطن يعيد للشبك المسلمين حقوقهم ويرفع عنهم الظلم والحيف ويعيد لهم الاعتبار وما ضاع عليهم من حقوق وماتحملوه من قساوة السلطات التي اختلفت في المناهج، لكنها لم تختلف في تغييبها لهذه الشريحة من الطيبين الأصلاء.
 ونحلم بعراق يكرم الآشوريين الذين صاروا مع عجين تراب العراق قبل أن يكتب التاريخ حروفه الاولى. المعلمين الأوائل والبناة الذين خطوا لنا الأحرف الأولى، ورسموا لنا الحضارة، وأن نعيد لهم المجد والمكانة التي تليق ببناة تلك الحضارة. 
ونحلم بعراق يلتفت للكلدان الذين كانوا ولم يزالوا يرسمون المحبة والعطاء للعراق الكبير الذين بنوا حجارته واحدة لصق اخرى. ورصفوا تأريخه بمحبتهم وبعرقهم وجهودهم التي لم تزل معالمها حاضرة حتى اليوم، الشريحة الطيبة والعبقة التي تعطي ولا تأخذ بصمت القانع المبتلي بمحبة العراق. 
ونحلم بعراق يعطي للتركمان ما منعته عنهم السلطات البائدة والشوفينية البغيضة التي تنزع عنهم اصالتهم ووطنيتهم وتضحياتهم الجسام من اجل العراق، وأن نعيد لهم بهائهم وتألقهم ولغتهم التركمانية العراقية وخصوصيتهم داخل القلب العراقي. 
يحق لنا ان نحلم بوطن يحفظ للأرمن كل ما لهم من حقوق ويزيل عنهم الأذى والظلم والتغييب وهم الشريحة التي كانت تعطي بصمت؟ وأن نضمن لهم عدم تكرار المجازر التي حلت بهم.
ونحلم بوطن يقر بحق الانسان في الحياة ويعترف أن جميع العراقيين مهما اختلفت قومياتهم او ديانتهم حقاً شركاء في هذا الوطن، وان لهم كل الحق في اختيار شكل السلطة التي يريدون. 
ونحلم بعراق تشيع فيه المحبة والألفة وينتشر التسامح والتآخي، وأن تختفي مظاهر السلاح والقنابل اليدوية من كل الظاهر وبأي شكل كان، وأن تمنع السلطة حتى لعب الأطفال من الأسلحة والمسدسات والرشاشات المرعبة، وأن أحلم بعراق يختفي في بيوته وشوارعه صوت التفجيرات والالغام، وأن نزرع شجر الدفلى وورد الياسمين على حافات الطرق العامة التي يحددها الآس، وأن نستمع لصوت البلابل وهي تغرد فوق أشجار البرتقال والرمان وتغفو بين سعفات النخيل. 
نحلم بعراق خال من الاضطهاد والقمع والتهديد والاغتيال ومظاهر القسوة والتنكيل والدسائس؟ 
ونحلم بوطن يفيض فرحه المشع فوق ليله وحتى نهاره وتتحول ايامه الى زاهية ومشعة ومفعمة بمظاهر الانسانية.
ونحلم بعراق خال من الإرهاب أيا كان مصدره ومنبعه، وبعيد جدا عن التجارب المتطرفة والتفخيخ والبهائم التي تتمنى أن تموت ومعها المئات من دون ذنب. 
ونحلم بوطن يدعى عراق يحميه الله والأنبياء والأوصياء، وطن محمي بكل الديانات الأسلام والمسيحية واليهودية والصابئة المندائية والأيزيدية والزرادشتية، وطن محمي بالعرب والكرد والتركمان والآشوريين والكلدان والأرمن.
وطن سيحميه الله وكل الناس الغافين على المحبة والتآخي. 
متى نبدأ البناء؟ سؤال يدور في أذهان العقلاء من أبناء العراق.
متى نوفر الكهرباء والماء الصالح للشرب والمواصلات والتي تليق بنا وبالسكن الذي يحفظ كرامتنا؟ متى نبني مدارسنا ونقيم مستشفياتنا ونعيد ترميم مصانعنا ونبلط طرق مواصلاتنا وان يصير عندنا قطار حديث ومترو يختصر الطرق والمسافات، وأن تسهم حكوماتنا بحملات لإعادة زراعة الحدائق والساحات العامة، متى تعاد الخدمات الأساسية التي تعيد بهاء عاصمتنا ومدننا التي صارت بائسة وتعود افراحنا وأنوار بيوتنا ونستمتع بايام عمرنا؟. 
كيف لنا أن نسهم بالمحبة في أن يستعيد أخوتنا ممن أخطؤوا بحقنا وكتبوا عنا تقاريرهم ونظروا لنا ولأهلنا نظرات الاحتقار والريبة والحذر، وراقبوا جلساتنا وخلواتنا؟.
كيف لنا أن نعيد لهم ثقتهم بأنفسهم من أنهم جزء منا وهم أولادنا وأخوتنا ما داموا لم يرتكبوا الجرائم التي يحاسب عليها القانون والشعب؟ وكيف لنا أن نضعهم أمام واقعهم ونبصرهم بالخطأ الذي كانوا به يعمهون، وأن الطاغية كان يريدهم حطباً وأعواد الكبريت التي يشعل بها بيوتنا وحياتنا ومستقبلنا ويحرقهم معنا؟. 
كيف لنا أن ندفع أخوتنا من المتوهمين والسذج للوعي من أن عليهم أن يقدموا لوطنهم وشعبهم ما يسهم في البناء الجديد؟.
كيف لنا أن نستعيد أنفاسنا ونتخلص من عواطفنا ونسترجع حقيقة أن من كان يقع في تيارات الوهم هم أخوتنا وأصحابنا قبل أن يسقطهم الطاغية في شباكه وخرائبه؟.
كيف لنا أن نبدأ بتعليم أنفسنا دروس الديمقراطية الحقيقية التي نريد؟ وأن نتقبل الفكر الآخر والرأي المخالف، وأن نسمح للمعارض أن يقول اعتراضه، وأن نسمح للنقيض أن يكتب ما يريد بكل حرية ومن دون مساس بشخصه أو كرامته.
أعطينا من الشهداء ما لم تعطه أمة مثلنا، ولم نزل نلملم عظام شهدائنا، ولم نزل نتعرف على ما طمرته الأرض المجهولة في ربوع العراق من أجداث شهدائنا، ولم نزل نعطي ونقدم الشهداء في مسيرة البناء، ومع كل هذا العطاء علينا أن نفكر بالبناء.
الخراب الذي حل في أرواحنا ومجتمعنا وأرضنا ومعاملنا ومدارسنا وبناياتنا والبنى التحتية لعراقنا، الخراب الذي لحق مياهنا وأهوارنا وسماءنا، الخراب الذي لحق جيشنا وشرطتنا وقوانيننا ودستورنا، والخراب الذي لحق اقتصادنا وثرواتنا البشرية والمادية والطبيعية، الخراب الذي لحق سمعتنا بين الأمم، كل هذا الخراب بفعل صدام ولا بد لنا من ترميم ما نقدر على ترميمه وبناء ما أنتهى في الزمن السابق. 
إن عملية البناء أصعب من الهدم بالتأكيد، وعلينا أن نضاعف جهودنا مثلما نضاعف سعة قلوبنا ومحبتنا، وأن نداوي جروحنا ونلملم ما تناثر من شعبنا ووطننا، وأن نتصافى ونتدارك الزمن قبل أن يفوتنا هذا القطار السريع الانتقال.