ثلاثة نصوص

ثقافة 2021/08/08
...

 حميد حسن جعفر
 
«1» امرأة
 
لديكِ ما يمنعُ عنكِ حضوري،
ولكن ستبقين واقفةً تحت سلطة سرطان عنق الرحم،
وانقطاع النسل، وعمليات الإجهاض الاضطراري،
وآلام الحيض، وحين تجدين نفسكِ مهتمةً بأمورٍ
هي أقربُ لاهتمامات الطفولةِ ستتذكرون أُبوةً كنتُ
أُقيمها لأجلكِ،
هكذا كنتُ، لم أكن خريجَ فرع السينما، لأتمكن من 
أن أتقمصَ دورَ الاب الباسلِ، والعاشق الفائق الولهِ
بكِ،
هل مرَّ ببالكِ ما ستكونين عليه بعد أن تتحولَ دار 
السينما الى مكان لتجمعِ باعةِ المفروشات،
أو أن يتحولَ الاستثمار الى قريةٍ للنملِ الأبيض،
وتعاينين المدائقَ فإذا هي مواقف للسيارات،
وباعة الكرزات،
فما كنتُ ممن يبحثُ عنكِ في سوق الخضار،
أو المهتمين بالسوقِ السوداء،
وحين لا أجدكِ في داركِ لن أسألَ عنكِ الشرطةَ
النهريةَ، ولا ثلاجات المستشفيات، بل سأختلي
بصوت محمد مهدي الجواهري وهو يتلو 
يا أُمَّ عوفٍ.
 
«2» سيدةٌ
 
الرجلُ المسنُ يجلسُ خلف المقود، بانتظار الراكبة الوحيدةِ،
ما كان الرجلُ حوذياً،
وما كانت السيدةُ أميرةً،
إلّا إن الثورةَ التكنولوجية جعلتْ منهما ما يشبه السحرةَ،
ما إن تحتلَ الحوض الخلفي للحافلةِ،
وما ان يديرُ المحركَ، ويتلاعب بمبدأ السرعةِ، حتى تنطلقَ
الماكنةُ نحو البريةِ، حيث أرض الله الواسعة،
السيدةُ ملأتْ حقيبة اليدِ بالتاريخ،
والمسنُ قد ملأَ جيوبه بحجارةٍ اسمها البلاد،
حين انطلقا كانت الحافلةُ مستعدةً وبتأثير 
الرجلُ المسنِ أن تتحولَ الى مركبٍ بخاري،
حين تتحول اليابسةُ الى مسطحاتٍ مائيةٍ،
وحين تدخل الصحراءَ تنقلب الى مجموعةِ 
نوقٍ وهوادج،
إلّا إن الامور لم تكن على ما يرام، فقد أخذا 
سويةً يفكران بنفاد الوقود، ليسود رحلاتهما 
الاكتئاب.
 
«3» وقت
 
ما فات من الوقت الذي اتفقنا على أن يكونَ
من حصتنا من دون خلق الله،
ذلك الوقتُ المحصور ما بين الساعة التاسعة ضحىً
والثالثة داخل من بعد الظهر، لم يكنْ بكافٍ لكي 
نتفقَ او لا نتفق، فقد امتلأ بالصمتِ والإشارات،
كان المارةُ يشاهدون كرسيين خاليين ومائدةً على 
سطحها قدحا ماءِ... وكوبا شايِ وقهوةٍ، أم من الكاكو،
لا أحد استطاع أن يجزمَ بما يملأها من سائلٍ او هواءٍ
كان النادل يعاينُ ويشعرُ بهبوب دخانٍ ورحيقٍ، وما من 
أحدٍ منّا يدخنُ أو يوقدُ ناراً، أو يتخذ من أزهار الليمون
 وسيلةً للإعلان عن نفسه،
عند بدء الساعةِ الرابعةِ عصراً، كان الرواد يتابعون جندياً
 يهرولُ نحو ناقلة جند تتجه جنوباً،
وامرأة شبه أرملةٍ تتجه شمالاً.