متحف المثقفين

ثقافة 2021/08/08
...

  أ. د. باسم الأعسم
 
إن عظمة مطالب الادباء، والكتاب، والفنانين، والإعلاميين، وسائر رجالات الفكر، والمعرفة، الذين يشكلون شريحة المثقفين، أنها ليست شخصية، بل عامة، ومعضدة بالحس الوطني والانساني الخالص، وذلك بسبب نزاهتهم، ووعيهم، وتعففهم.
وبالفعل، لم يتجرد المثقف، أياً كانت صفته، ولقبه، وعنوانه، وانحداره، وثقافته، عن ارتباطه الواقعي، والروحي، بوطنه وشعبه، في أحلك الظروف، وثمة من دفع حياته ثمناً لوطنيته، وتقدميته، في ظل انظمة شتى، وتلك أسمى المواقف، وآيات الايثار، والحب والانتماء.
ولذلك، فإن للمثقفين فضائل 
جمة على مجتمعاتهم، من جراء اعلائهم شأن الحقائق 
المتعلقة بمناحي الحياة و الناس، وأبرزها: 
توجيه الرأي العام، ورصد الظواهر السلبية وتقويمها، ومن ثم تعزيز قيم العدالة، والخير والجمال، بصفتهم دعاة حقيقيين للتسامح، والحرية والسلام، ولم يقف العوز، والقلق، والوحدة والاغتراب، حائلاً من دون تغني المثقفين بوطنهم، وشعبهم، على الصعيد الاعلامي خاصة، وحتى عندما يغادر الفنان أو المثقف وطنة، فإنه يبقى ماثلاً في كتاباته، ولقاءاته، وحواراته، وأعماله، في ما يشبه الشيء وظله، مع استثناءات نادرة لا يستحق 
ذكرها.
أسوق هذا المهاد، للحديث عن استحقاقات المثقفين الراحلين – خاصة – ومنها، تشييد متحف للمثقفين، ليكون خزانة تضم مآثرهم الادبية والفنية، التي بقيت شاهدا على ابداعهم، بوصفهم ثروة المجتمع النادرة والثمينة، التي لاينبغي التفريط بها أو تبديدها، لأيما سبب كان.
ولطالما أرقت هذه الفكرة، قاصنا المبدع محمد خضير، الذي سبق وأن تحدث عن متحف نجيب محفوظ، وأحمد شوقي، وأم كلثوم، عبر صفحته الالكترونية، مما دعاني في أن أدلو بدلوي عن جواهر الادب، والثقافة العراقية، اولئك الافذاذ الذين لا يقلون شأناً عن سواهم في أيما بلد كان، أمثال، علي الوردي، الجواهري، جواد علي، عبد الله إبراهيم، سامي عبد الحميد، قاسم محمد، محمد خضير، كاظم الحجاج، زها حديد، لميعة عباس عمارة، غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، فؤاد سالم، طالب القره غولي، ومئات على شاكلتهم، منهم من احتضنت أجسادهم الطاهرة مقابر الغربة، ومنهم من طواه النسيان وآثر العزلة، وكثر غادرونا وفي قلوبهم حسرات، في أن يلقوا الاهتمام والذكر الطيب الذي يليق بهم، معولين على الدولة ووزارة الثقافة في أن تحفظ تراثهم، وذلك بأن تشيد متحفا خاصا بالمثقفين يمثل رداً جميلاً ووفاءً جليلا لما قدمه المثقفون من عطاءات ثرة  لاينبغي الاستهانة بها اكباراً لرواد الكلمة والادب والفن والفكر الذين يستحقون أن تذكر محاسنهم وتوثق منجزاتهم، ففي أغلبية الدول السائرة في دروب الثقافة تشاد متاحف الشمع والمتاحف الطبيعية تخليداً للرموز الإبداعية، أفلا يستحق أدباء وكتاب وفنانو العراق أن تخصص لهم وزارة الثقافة متحفا، يكون مزاراً وأرشيفاً وصرحا دالا على بغداد بكونها بالفعل عاصمة الثقافة.
 وطالما شكا المثقفون في المهاجر من الإهمال، الذي كانوا يعانونه طوال عقود مضت، ففي حلقة من برنامج (عائلتي تربح) قال: مقدم البرنامج الفنان جواد الشكرجي، وهو يستعرض بعض الفنانين الراحلين، قال: بالحرف الواحد مخاطبا ذوي الشأن (لا نطلب منكم سوى أن تتذكرونا بعد رحيلنا)، وأما الفنان بهجت الجبوري الذي اغرورقت عيناه بالدموع، بمجرد أن تناهى الى سمعه العراق، مثلما هو الشاعر عبد الزراق عبد الواحد الذي كتب (56) ديواناً شعرياً في حب العراق حتى قال:    
يا عراق هنيئا لمن لايخونك 
هنيئاً لمن إذا تكون طعينا يكونك 
هنيئا لمن وهو يلفظ آخر انفاسه 
تتلاقى عليه جفونك 
إن تخصيص متحف يضم انجازات المثقفين وسيَرهم، 
وما كتب عنهم، والحوارات التي أجريت معهم، بما يليق بهم، يمثل خطوة جريئة مسددة للاحتفاء بالمثقفين والكتابة عنهم  والتعرف عن كثب على مخرجات عقولهم المعطاء.
وجل ما نخشاه أن تعتذر وزارة الثقافة عن عدم انشاء أو تخصيص هذا الصرح الثقافي، الذي يليق بالمثقف، لشحة التخصيصات المقدمة الى وزارة الثقافة. ونأمل من السيد وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم أن يستقتل من أجل أن تستعيد الثقافة ألقها، ويزدهر الحراك الفني والفكري بما يتوافق والتاريخ الادبي والثقافي لعراقنا العريق، إذا ما أدركنا أن الثقافة سمة العراق والابداع قرين العراقي وعلامته الفارقة، وكلما اتسعت دائرة المثقفين ضاقت مساحة الجهل والجهلاء وتسامت وتائر التنمية البشرية، كما ان تشييد المتحف سيكون محجاً للزائرين، مثلما هو شارع المتنبي، تقصده جموع الناس من الباحثين والطلبة العراقيين والعرب والأجانب، للاطلاع على مآثر المثقفين العراقيين الذين يستحقون كل اشكال الدعم والرعاية، فهم رأسمال وزارة الثقافة، ورصيدها الذي لا ينضب، وأملنا ان لا تخيب آمالهم وتحبط نفسياتهم، فإن الهدف إعلاء شأن الثقافة والفن وتقدير عطاءات المثقفين.