لمى الربيعي
قال عنه الجواهري: أهز بك الجيل الذي لا تهزه نوابغه حتى تزور المقابرا»، وكتب عنه زميله وصديقه البروفيسور عبد الكريم الخضيري، بمناسبة مرور ربع قرن على رحيله: عبد الجبار عبدالله يذكرني بغاندي، حيث كان هادئاً في مشيته وطباعه، قليل الكلام، لكنه إذا تكلم نطق بحكمة.. كان متواضعاً، لا يعرف الكبرياء، رغم أنه قد بلغ قمة الإنجاز العلمي والأكاديمي.. مقنعاً في مناقشاته بمنطق سليم، ورؤية سديدة.
وعبّر د. إبراهيم العلاف عن رأي الكثيرين بالقول: «لا أعتقد أنَّ ثمة أمراً يتفق عليه العراقيون جميعاً مثل اعتزازهم وتقديرهم وإعجابهم بالأستاذ الدكتور عبدالجبار عبدالله، فالرجل كان عالماً في تخصصه، مربياً متميزاً، وباحثاً نشيطا وإنساناً فاضلاً ودوداً متواضعاً. نهض بجامعة بغداد، فذاعت سمعتها الطيبة في أرجاء العالم. كتب عنه الكثير وكرم في حياته وبعد رحيله.
عبدالجبار عبدالله عالم فيزياء وفلكي عراقي عالمي وثاني رئيس لـجامعة بغداد ولد في قلعة صالح بمحافظة ميسان العمارة 1911 من أسرة عراقيَّة تنتمي للطائفة المندائيَّة.
أكمل دراسته الابتدائيَّة والمتوسطة في العمارة ثم انتقل الى بغداد وواصل دراسته في الإعداديَّة المركزيَّة (1928 – 1930)، ثم انتقل إلى بيروت والولايات المتحدة الأميركيَّة لإكمال دراسته الجامعيَّة وحصل على شهادة (D.Ss) في الفيزياء من معهد (MIT) وهي شهادة علميَّة لا تمنح إلا للعلماء العظماء.. عاد الى العراق وشغل منصب رئيس هيئة الطاقة الذريَّة العراقيَّة عام 1958 ثم أصبح رئيساً لجامعة بغداد.
وبالنظر الى مستوى عبدالجبار عبدالله العلمي المتفوق تعاقدت معه الجامعة الأميركيَّة التي تخرج فيها ليكون أحد تدريسييها في قسم الأرصاد الجوي.
اشترك مع العالم الألماني (فون براون) في اكتشاف أسرار القنبلة الذريَّة في منتصف أربعينيات القرن الماضي وتطوير علم وهندسة الصواريخ .. وما يؤكد ذلك اختياره وخمسة من المتميزين خلال مدة الدراسة العليا في الولايات المتحدة للعمل في مكان سري للغاية لمدة سنة ونصف السنة أثناء الحرب العالميَّة الثانية.. وكان نتيجة ذلك أنَّ الرئيس الأميركي هاري ترومان قلده (مفتاح العلم) الذي كان يمنح لكبار العلماء المتميزين في عطاءاتهم العلميَّة.
احتل العالم الكبير عبدالجبار عبدالله مكانته الطبيعيَّة بين مشاهير العلماء في العالم ودخل اسمه في أكبر المعاجم العلميَّة العالميَّة.
كان عبدالجبار عبدالله يجيد إضافة إلى العربيَّة والآراميَّة اللغات الإنكليزية والفرنسيَّة والألمانيَّة. له العديد من النظريات العلميَّة وخصوصاً في مجال الأنواء الجويَّة، حين انتكست مسيرة البلاد في شباط 1963 أزيح عن رئاسة الجامعة ورمي في السجون، وأرغم على هجرة البلاد لتتلقفه مراكز البحث العلمي الكبرى في الولايات المتحدة، وتضع تحت تصرفه عديداً من الكفاءات العلميَّة وتفسح له في المجال ليبدع في الميادين التي اختص بها.. فالولايات المتحدة الأميركيَّة وضعت تحت أمرته في المركز الوطني للأبحاث الجوية في بولدر كولرادو عديداً من العلماء البارزين في ميدان اختصاصه وقدمت له منحة بمبلغ 600 ألف دولار، أي ما يعادل اليوم قيمة ستة ملايين دولار لإجراء سلسلة من الدراسات حول إمكانية السيطرة أو تغيير الطقس.
المفارقة .. البعث زجه في سجن عسكري في معسكر الرشيد، وأميركا وضعته على رأس مركز أبحاث علميَّة متقدمة.
توفي عبد عبدالله في اليوم التاسع من تموز عام 1969 في الولايات المتحدة الأميركيَّة. نقل جثمانه الى العراق وفي 13 تموز جرى له تشييع مهيب الى مثواه الأخير في مقبرة أسرته في أبي غريب بناءً على وصيته.
نعاه الشاعر المعروف عبد الرزاق عبد الواحد بقصيدة قال فيها:
قالوا وأنت تموتُ... كـانت مقلتاك تُرفـرفانِ
كحمامتين غريقتينِ عن العمـارة تبحثــانِ
وبقيتَ حتى آخرِ الأنفاسِ تلهج في حـــنانِ
لو نسمةٌ هبت بقلعـةِ صالـحٍ لك بالأمــان
لو نهرُها ناداك أخرَ مرةِ... والشّـاطئانِ
لو طوقاكَ فنمت في حُضنيهما والفجـرُ دانٍ
مشوبة هي في المياهِ وأنتَ مشوبُ المحـاني
كم من أينشتاين في بلدي الآن لم يُهتمُّ لأمره.. ليتوجهوا لمن يحتضنهم في دول الغرب ويستثمر قدراتهم ونحن بأمس الحاجة لهم.