حفلات مجنونة

آراء 2021/08/08
...

 رعد أطياف
دائماً ما يكون الإسقاط أكبر من الواقع بكثير. ما يدور في الذهن شيء وما هو موجود على أرض الواقع شيء آخر تماماً. وذلك ناتج من التردد بين قطبي الماضي والمستقبل، وانشغال الذهن ووقوعه أسيراً بينهما، لدرجة أنه لا يرى الواقع كما هو وإنما يراه كما يريد ويرغب.
 
فيتسع حجم الأوهام وتتسع معها مساحة المعاناة النفسية، ومن ثم تحيلنا هذه الإسقاطات إلى أرض محروقة. يمكن لفكرة قادمة من الماضي أن تحيل لحظتنا إلى جحيم وتفقدنا رباطة الجأش وتسلب منّا حريتنا تماماً، وتجلب معها ما يماثلها من أفكار لتتضامن معها، فتحيلنا إلى كائنات عصابية حقاً. إن فعل الغرور، على سبيل المثال، يستدعي معه كل مبررات الغرور ويحاول يربطها في إطار من الشرعية ويمنحها مزيدا من التدفق الذهني الذي تعمل على تنشيطه قوة هذه الأفكار. وفعل الغضب يعمل بقوة لتحشيد كل الحزم النفسية والأفكار المساندة لها ليعزز فينا شرعية الغضب وقوته فتغدو هويتنا عبارة عن غضب محض، وهكذا دواليك. إذا هجمت علينا هذه الأفكار فأقل ما توصف به من أنها حفلة جنونية بامتياز. تهجم الأفكار علينا متى شاءت، وتعكّر صفوّ لحظتنا كيفما تريد، وتغدو حريتنا عبودية محضة لألاعيب الذهن دون أن نحرك ساكنا لذلك!. ولا يبدو الأمر بهذه السهولة تماماً، لأننا محض عادات متأصلة. وهذه الأخيرة تحتاج إلى تحرير الوعي من غيوم الأفكار الذهنية السامّة؛ مثل الغضب، والحسد، والغيرة، والتكبّر.. إلخ. وهذه السموم تحتاج إلى انتباه عالٍ، وبالتدريج ومن خلال التأمل بهذه الحقائق الذي يُرجع لنا سكون الفكر ويقلل من حالة الإسقاطات النفسية التي تتقنّع بقناع الموضوعية. إذ كلما اتسعت رقعة الإسقاط اتسعت معها مساحة المعاناة، وهذه الأخيرة، وفي أدنى درجاتها، تترجم نفسها على شكل توتر نفسي يسلب منّا راحة البال. في حين تتفق كل الكائنات البشرية على هذه الغاية: البحث عن السعادة والابتعاد عن المعاناة. بيد ننا، وفي زحمة الحياة اليومية، ننسى هذه البديهية التي يتوق إليها الكائن البشري، وتتجه بوصلته إلى طريق الأسى. إن التفكر بهذه الحقائق التالية يحيلنا إلى كائنات متواضعة مستقبلا: لا شيء يدوم، كل الأشياء تخضع لمنطق التحول، والأفكار مهما كانت شدّتها ستزول حتماً. فلا داعي لتحويلها إلى مشاعر مؤلمة لو انتبهنا إلى قانون التغيّر؛ فالفكرة ليست خالدة وأبدية، وإنما تخضع لمنطق الصيرورة؛ الحزن يتحول إلى فرح، ولغضب يتحول إلى سكينة، والفقر يتحول إلى غنىً، ونحو ذلك. 
إن إدراك هذه الحقائق كما هي ليس كما نرغب، يمنحنا لذّة الاكتشاف، و يساعدنا في كشف الحلم الكبير الذي لم نستيقظ منه بعد.