قاسم محمد مجيد للشهادة مرآة ونصف وجه

ثقافة 2021/08/09
...

 جابر محمد جابر
 
يعتمد الشاعر قاسم محمد مجيد, في صياغة نصوصه الشعرية على تجميع افكار, متناثرة, ليبني بها جمله الشعرية, وبالتالي هو يخلق فضاء شعريا بدلالته العميقة, والمؤثرة في نفسية المتلقي , حيث يقول ص 58 
(للقمر عاصمة 
هل سمعتم 
ان للقمر عاصمة؟
هنا ... ساحة التحرير, عاصمته.)
الشاعر يستفز مسموعاتنا ( حواسنا ) بأسئلة لا يثيرها الّا شاعر معني بالجمال, ويثير سؤاله الموجّه الى المتلقي, هل للقمر عاصمة؟
الشاعر يعرف الإجابة، لكنه يراوغ كي يدلنا (كمتلقين) الى هذه العاصمة, التي اثارت بوجودها مصابيح الشهادة لتغرز رماحا في عيون القتلة.. 
((قال الشهداء,
لن نتعب
هم لا يكذبون 
ففي عتمة دخان القنابل سجلوا باصواتها اغاني للضياء))
يعود الشاعر ليخبرنا. الشهداء لا يتعبون, وهذه الحقيقة يعرفها الشاعر لكنه يتحفظ عليها كي يسحب المتلقي الى منطقة اشتغال الشهداء, بأثرهم ووضع تاريخهم, ففي عتمة دخان القنابل. سجلوا بأصواتهم الضياء. 
اذن بعد انجلاء الحقيقة، وعلى لسان الشهداء الذين استمدوا من دخان القنابل, لوحات حولوها الى سمات لأغاني الانتفاضة والحرية, هؤلاء الشهداء هم من ثمرة الوطن, جمعهم حب الوطن والاستشهاد في سبيله, وهم اي الشهداء لا يملكون شيئا في هذا الوطن, بعضهم لديه هاتف وبضعة دنانير كما يقول الشاعر, ثمن اجرة ذهابه وايابه الى ساحة التحرير.
أعتقد ان هذه القصيدة تمثل روح الانتفاضة، لأنها كتبت بصدق ووعي وتتحدث بصدق ووعي بلا انفعالات عاطفية عن المشتركات الثورية، لتخليص الوطن من الفاسدين. 
لقد سحبنا الشاعر إلى منطقة جعل المتلقي يشتغل معه ويسهم مع الشاعر في اكمال لوحاته في كتابة النص، لقد ترك الشاعر لنا فراغاً لنملأه من جيوب الشهداء المملوءة بقصائد الشعر ورسائل الحبيبة. هم لا يشغلهم شيء سوى الشهادة، هم من اختار هذا الطريق طريق الحق والعدل والحرية وبإرادتهم. 
(( اول يوم القيامة 
لعبة ليست سهلة 
يقذفوننا بالقنابل المسيلة اللدموع 
وبالرصاص الحي 
ونطير. 
بالونات بالوان العلم ))
هنا تجسيد لعنف المتصدين للانتفاضة السلمية، وكيف كان ردهم بالقنابل المسيلة للدموع من النوع المحرمة دولياً، وبالرصاص الحي؟ هي فعلاً لعبة قذرة تقود إلى الموت حين تجابه دعوة سلمية لشباب بعمر الزهور، برصاص حي أنها معادلة مشلولة اصلاً. 
( كل ليلة تجلس أخت الشهيد 
تحت عمود النور 
تشعل الشموع.)
انها معطيات ما بعد الشهادة، لأسرة نكبت بفقدان ولدها، الأخت تلجأ إلى عمود النور، تستند عليه بعد ان فقدت شقيقها، سندها في الحياة، لتشعل الشموع وكأنها تضيء مكان استشهاده لترشد الملائكة اليه.