لِمَ قلة قليلة من الرجال يقرؤون مؤلفات النساء؟

ثقافة 2021/08/10
...

 أم أي سيغهارت
 
 ترجمة: ليندا أدور
 
في كتابي «فجوة السلطة»، الذي يبحث في السبب وراء الاستمرار بمعاملة النساء بجدية أقل من الرجال، كنت قد كلفت شركة «نيلسن لأبحاث الكتاب لمعرفة «من كان يقرأ ماذا»، أردت معرفة إن كانت الكاتبات، يُعتبرن، ليس فقط، أقل موثوقية من الرجال فحسب، بل إن كان الرجال يقرؤون لهن، في المقام الأول، وقد جاءت النتائج لتؤكد شكوكي بأن الرجال، على نحو غير متناسب، من غير المرجح أن يفتحوا كتابا مؤلفه امرأة.
 
افتراض الكسالى
بالنسبة لأفضل 10 كاتبات مبيعا (من بينهن جين أوستن ومارغريت أتوود ودانيال ستيل وجوجو مويس) فإن 19 % فقط من قرائهن من الرجال و81 % من النساء. لكن، بالنسبة لأفضل 10 مؤلفين من الذكور مبيعا (من بينهم تشارلز ديكينز وجي آر آر تولكين ولي تشايلد وستيفن كينغ)، فكان الفارق كان أكثر من ذلك بكثير، اذ كانت نسبة 55 بالمئة من الرجال و45 % من النساء. بمعنى آخر، إن النساء على استعداد لقراءة مؤلفات الرجال، لكن عددا أقل من الرجال على استعداد لقراءة مؤلفات لنساء. فالكاتبة مارغريت أتوود، التي يجب أن تكون مؤلفاتها فوق رفوف المهتمين بالروايات الأدبية، نسبة قرائها من الذكور هي 21 % فقط، في حين كان لجوليان بارنز ويان مارتل الفائزين بجائزة البوكر، ضعفها، اذ بلغت 39 و40 %. لا يتعلق الأمر بكون النساء أقل كفاءة في كتابة الروايات الأدبية، فالروايات الخمس الأفضل مبيعا في العام 2017 كانت لنساء، وكانت تسعة من أصل 10 أفضل روايات
 كذلك. 
بالانتقال الى الروايات الواقعية التي يقرؤها الرجال أكثر قليلا من النساء، فالنمط متشابه، إذ لا يزال الرجال يقرؤون للمؤلفين الذكور أكثر بكثير من الكاتبات النساء، لكن التباين ليس كبيرا، اذ يملن النساء لفعل الشيء ذاته لصالح المؤلفات من الإناث. لكن، يبقى هناك فارق، اذ يحتمل أن تقرأ النساء، بمقدار 65 % أكثر من الرجال، للكتب الواقعية التي كتبها الجنس الآخر. وهذا يشير الى أن الرجال، بوعي أو بغيره، لا يمنحون الكاتبات القدر نفسه من الشأن الذي يمنحونه للكتاب الذكور، أو ربما يقومون بـ «افتراض الكسالى» وهو أن مؤلفات النساء غير موجهة لهم من دون أدنى محاولة للوقوف على حقيقة ذلك.
 
عدسة ذكوريَّة
السؤال هنا، لِمَ يشكل أمر كهذا هذا القدر من الأهمية؟، بداية، لأنه يحدد تجارب الرجال عن العالم، وهو ما تشير اليه الروائية برناردين إيفاريستو، الحائزة على جائزة البوكر لعام 2019، اذ تقول: «عرفت ذلك منذ مدة طويلة، وهي أن الرجال لا يبدون اهتماما لقراءة أدبنا»، مضيفة «أدبنا هو واحدة من الطرق التي نستكشف بها القصة ونستكشف أفكارنا، ونطور إدراكنا ومخيلتنا، فإن كنا نكتب روايات للنساء، فنحن نتحدث عن تجاربهن. نحن نتحدث عن تجارب الذكور أيضا، من منظور الإناث، وإن لم يبدو اهتماما بذلك، فهو أمر يدعو للقلق». 
إن لم يقرأ الرجال مؤلفات كُتبت من قبل نساء وعنهن، سيفشلون في فهم سيكولوجيتنا وتجربتنا المعيشة، سيستمرون برؤية العالم بالكامل من خلال عدسة ذكر، ومع تجربة ذكورية كتجربة افتراضية. لهذا التركيز الضيق تأثيراته على علاقتنا بهم كزملاء وأصدقاء وشركاء، لكنه في ذات الوقت، سيسهم في إفقار الكاتبات، اللواتي ينظر الى أعمالهن على انها متخصصة أكثر من كونها عامة في حال استهلكت بشكل أساسي من قبل النساء، وسيحظون باحترام ومكانة وأموال
أقل.
ما يؤكد هذا الكلام هو الروائية كاميلا شمسي، التي شاركت في العديد من اللجان التحكيمية للجوائز، وشهدت مثل هذا التباين، إذ تقول: «ترشح الأعضاء من النساء مؤلفات لكل من الرجال والنساء»، مضيفة «أما القضاة من الرجال يرشحون مؤلفات لرجال آخرين». 
 
وظيفة الفن
الروائية الناجحة، دولّي الدرتون، التي فازت مذكراتها «كل ما أعرفه عن الحب» بجائزة الكتاب الوطني لعام 2018 كأفضل كتاب سيرة ذاتية، إلا انها، في بريطانيا على الأقل، لم تحظ باهتمام الرجال، فكل الذين أرسلوا لإجراء مقابلة معها لصحيفة أو مجلة كانوا «امرأة». مع ذلك، في جولتها الدعائية في الدنمارك، كان الأمر مختلفا، فقد أبلغت «الصحفي» الذي أرسل لمقابلتها بأنه أول «رجل» يلتقي بها. «لم يصدق مدى غرابة الأمر، كان في العشرينيات من العمر، لكنه قال إنه وأصدقاؤه، يقرؤون كتب السيرة الذاتية او الروايات التي تكتبها النساء تماما كالرجال». يمكن أن تصبح الأمور مختلفة، مشكلة سهل على الرجال حلها، فكل ما عليهم هو البحث عن كتب مؤلفيها من
النساء. 
إن كان الرجال يشككون في إمكانية أن تكتب النساء موضوعات تهمهم، يمكنهم تجربة بات باركر عن الحرب العالمية الأولى أو هيلاري مانيل عن مكائد محكمة هنري الثامن، فما أن يعتادوا عليها، حتى يجدوا بأنها قد تحولت الى حكايات إنسانية أكثر من كونها أنثوية متخصصة. عندها، يمكن للرجال أن يكسبوا الكثير من خلال توسيع مداركهم وذائقتهم، فمجرد أن الكتاب قد ألفته امرأة، ذلك لا يعني أنها لا تملك شيئا لتقدمه لهم، بل على العكس، فهو يمكّنهم من إدراك ماهية الشعور أن تعيش كامرأة في العالم، والخطوة الأولى هي تعلم التعاطف. ربما يساعد ذلك في تحطيم الأوهام التي يعيشها الكثير من الرجال بغير قصد، والذي قد يسمح بنشوء أفكار ورؤى جديدة، أليس هذا هو وظيفة الفن؟
 
*صحيفة الغارديان البريطانية