الحرية الحقيقية.. مداراتها ومدياتها

آراء 2021/08/10
...

  امينة ساهي
 
منذ أن ادركت الذات الإنسانية حدود وجودها على هذه الأرض، شكّلت الحرية جوهر هذا الادراك وديدن هذا الوجود.
 
والحقيقة أن الحرية ‏مفهوم واسع فضفاض لا يمكن تحجيمه أو ‏حصره في زاوية ما، وهي موضع اختلاف شديد ‏ بين الفلاسفة والمفكرين على مرّ العصور، إذ يراها افلاطون من منظور خاص فيقول: يكون الرجل حراً حقًا عندما يؤدي دوره للدولة بأفضل ما لديه من قدرات، بينما يراها سقراط مرتبطة بالقوانين والأنظمة.
فهي عنده يجب تخضع للدستور، أما الحرية بحسب سارتر: فهي حرية كاملة مطلقة، لكن يجب أن يكون الانسان مسؤولا عن نفسه وعن أفعاله واختياراته، لأنه هو الوحيد الذي اختارها بمحض إرادته.
الحرية هي القوة أو الحق في التصرف والتحدث والتفكير من دون عائق أو قيد، إنّها حالة وجودية تتاح لنا فيها فرصة السعي وراء السعادة والحياة الراقية وتعزيز التعبير والابداع والفكر، وكل شخص في هذا العالم الشاسع له الحق أن يكون حرّا، وبألا يجبر على فعل ما لا يريده! 
وهذا ما يجعل الحرية بحد ذاتها موقفا اخلاقيا عادلا وأن حرمان الناس منها أمر غير عادل ولا أخلاقي، وهنا لا بدّ من أن نتذكر مقولة للإمام علي (ع) في وصية لابنه الحسن: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّا).
فالإنسان بطبيعته يرفض أن يتحكم به الآخر ويرفض جدا أن يعتقد ذلك الآخر أنّه من سلالة افضل منه، لهذا فهو يقاوم ويناضل من أجل حريته ويحفّز الآخرين على النهوض والثورة ضد من يصادر حريتهم.
ويتوهم الناس أحيانا إنّ الثورة هي الحرية، والحقيقة انها لا تعني ذلك ابدا، لأنها طموح ومطالب جماعية وهي تأخذ من الحرية مسوغا لها.
فأغلب من ينادون بالحرية ويثورون من أجلها، عندما يستلمون السلطة يصادرون حرية الخصم، وهذا يعني أنّهم لا يتحملون الحرية ولا يفهمونها إنّما يتخذونها مسوغا ووسيلة دعائية فقط.
لأنّ الحرية شيء مقدس وثمنها غال جدا ولا يعرفها إلاّ من يفهم قدسيتها.
 فهي معرفة والتزام وعلم وقوة إرادة، لهذا فهي في علاقة طردية مع التعلم والثقافة فلا حرية من دون علم 
ومعرفة.
وهي حقّ من حقوق الانسان ووسيلة لتحقيق حقوق أخرى ممكنة، ولكن يجب أن نعي وننتبه دائما الى أن الحرية مقيدة فهي تقف عندما تبدأ حريات الآخرين، فكل انسان يطالب بحريته، أو يمارس حريته كحق من حقوقه لايحقّ له مطلقا الاعتداء على حرية الآخرين أو انتهاج العنف غير المبرر في احراق أو تدمير البنية التحتية للبلاد التي ينتمي اليها لأنها ليست ملكه وحده إنّما ملك للجميع الذين يشاركونه الأرض. 
الحرية كما قلنا سابقا هي القدرة على فعل ما يريده المرء، أو الحصول على ما يرغب فيه أو تحقيق أهدافه وطموحاته، لكن لا يمكن أن تكون هذه الحرية حقيقية من دون رقابة ذاتية وضبط كبير 
للنفس. 
فاذا لم يكن هناك ضبط ورقابة تصبح الحرية مجرد نزعة فردية في أكثر أشكالها تطرفا ومن ثمّ تؤدي هذه النرجسية إلى تنحية المعايير الأخلاقية جانبًا وتكون فوضى اجتماعية في نهاية المطاف
 إنّ الوقت الذي نقضيه في التفكير الهادي بالالتزام بالقانون الاخلاقي يمنحنا الحرية في الاختيارات الصحيحة من أجل الخير وهنا تكمن الحرية.