التاريخ وأقنعة الخيال في الأدب الروائي

ثقافة 2021/08/11
...

  ضحى عبدالرؤوف المل
يتجاوز الكاتب ذاتيته في الرواية التاريخية، ليمنح الأحداث الماضية وجوداً في حاضر يمثل فترة معينة يعيدها في سرد تاريخي تحت أقنعة الخيال الأدبي، مستعرضا التحولات التاريخية والمتغيرات السياسية المرتبطة بها، ليجعل منها ذاكرة نفتحها لنطل منها على الماضي مع الاحتفاظ بالمسافات الفاصلة بين حدث وحدث، فهل تتسع الذاكرة الروائية للماضي برمته؟ وما العلاقة بين الأدب الروائي والتاريخ الحديث؟ وهل ما بعد الحداثة في الستينيات من القرن الماضي حركت ما هو معقد أدبياً.
 
وخرجت عن المراجع التاريخية المحددة تاركة التاريخ تحت أقنعة الخيال في الأدب الروائي؟ وهل الأدب التاريخي هو ذلك الذي تجسد في أدب أمين معلوف؟.
يبقى الماضي صامتا إلى أن تتجدد أحداثه في الأعمال الروائية او السينمائية او القصصية، فقد يحتاج الماضي الى الخيال المحرك لإعادة بناء الحدث بواسطة الشخوص بالتوازي مع الذاكرة التاريخية او تلك التي يحتفظ بها المؤرخ، وينتج عنها روايات عميقة، وربما حصرية ببعض منها مثل رواية (صخرة طانيوس) للروائي أمين معلوف وبطله الجبلي اللبناني المتغاضي عن هوية والده الحقيقي، وما تحت القناع القتال بين الامبراطورية العثمانية ومصر وانكلترا بأسلوب أقرب الى الاسطورة التاريخية العابقة بالحكمة، فالمتخيل الروائي ساعد على ولادة الفكرة التي انبثقت من صخرة عالقة في مكان خرج منه طانيوس بتاريخ أطل على حاضر في مستقبل متسارع تحت اقنعة الخيال المثير للذاكرة التاريخية التي كانت من حق المؤرخ فقط، فهل الرواية التاريخية هي بمثابة جسر للعبور نحو ذاكرة روائية او ان التاريخ تحت أقنعة الخيال هو حالة استقصائية شاملة كروايات الحرب اللبنانية بعمقها واحداثها
 الحقيقية؟.
لا يمكن الحديث عن التاريخ بعيداً عن الذاكرة التي يمتلكها المؤرخ في نتاجاته التي قد يعتمد عليها الروائي في حال دخوله الى عمق الماضي البعيد، لاكتشاف التسارع في الحاضر المؤدي الى مستقبل شبيه بالماضي او المستقبل الذي يولد من معادلة يشهد عليها الحاضر الذي يحياه المؤلف، وهو كشاهد على عصره، وبالتالي هو يمتلك رؤية ما بين الماضي والمستقبل بغض النظر عن العناوين الرمزية التي من شأنها أن تحمل الكثير من المعاني المهمة للكثير من اللحظات التاريخية القابعة وراء الكواليس الروائية، والانتقادات الكثيرة للتاريخ نفسه، والذي يعيد نفسه في حاضر يعيشه الكاتب ويبتعد عنه تاريخيا، ليجعلنا نرى معه الكثير من التفاصيل التي نحتاج الى الابتعاد عنها في المستقبل، فهل الأقنعة هي الخيال المفعم بالحقيقة التاريخية؟  وماذا عن رواية (الكتيبة السوداء) للروائي محمد المنسي قنديل؟ وهل اللواء الأسود الذي تم تعيينه بين عامي 1863و1867 هو رواية عن الحب والحرب والقدر فقط؟ أو ان اتفاق الامبراطور الفرنسي (نابليون الثالث) مع الخديوي سعيد ملك مصر هو تاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه في
المستقبل؟.
 قد يتعارض التاريخ مع الرواية، وقد يؤسس لحقيقة لا يمكن رؤيتها بتفاصيل متخيلة تؤدي الى الكثير من التحليلات من خلال تطورات السرد ووجهات النظر وانعكاساتها على قوة المحاكاة الروائية للتاريخ الذي يولد مجدداً تحت اقنعة الرواية التاريخية، والمستقلة نسبيا عن كتب المؤرخين من خلال انطباعات الكاتب الذي يجري مقارنات ديالكتيكية، ويستحضر الاحداث والشخصيات مع الاحتفاظ بالتواريخ المشتركة بين كتب المؤرخين والرواية، لبثها مصداقية تاريخية، وان احتفظ بالتناقض والتقارب بين صفات الشخصيات وسلوكياتها، إلا أنه يلتزم بالكثير من الخصائص المشتركة بين التأريخ والادب الروائي التاريخي. 
فهل يمكن أن تحول الرواية التاريخية رؤية اجتماعية ايضا؟ وهل من حاضر روائي يصبح تاريخاً يمكن الاعتماد عليه؟ وهل رواية (الحرام) للروائي يوسف ادريس يمكن وصفها بالتاريخية، وهو الذي وضعها تحت شعار الخطيئة، حيث تدور احداثها في الريف المصري شمال الدلتا في اربعينيات القرن العشرين؟ أو ان التاريخ بتشويقه وتغيراته وتحولاته وقع تحت اقنعة خيال الأديب المصري نجيب محفوظ؟.