نزولاً من عتبات البيت

ثقافة 2021/08/11
...

لؤي حمزة عبّاس
يبنى كتاب سهيل سامي نادر (نزولاً من عتبات البيت) على شعور عميق بالفقد وإحساس كثيف بالخسران، وذلك ما يجعل منه حكاية ماض متعدد الطبقات، ليكون كتاب استعادة بامتياز، استعادة البيت الذي نفقده حال تعلمنا المشي ونزولنا من عتباته، واستعادة الوطن بعد مجموعة من التحولات الدراماتيكية الموجعة، عبر مراجعة رموزه الثقافية وقراءة انتاجاتها، معمارية وأدبية وتشكيلية، محاولة في استعادة ذاكرة تتأرجح بين حضور وغياب مثل ضوء شمعة في ليل التحولات العاصف، إنها كتابة سهيل التي تشبهه في الربط الحاذق بين غير المترابط، وجمع المتباعدات من الاشارات والملامح والوجوه تعبيراً عن المعاني غير المنظورة للكارثة!
يشير سهيل في مقدمة كتابه إلى أن نصوص الكتاب المتنوعة «لايمكن ردها إلى لون واحد من ألوان الكتابة، فهي تحقيقات وتأملات ونقد جمالي وثقافي وذكريات وتأبينات ونصوص مفتوحة»، إنها، إذن، تجارب كتابية حرّة تمنح كاتبها مساحةً خارج حدود الأنواع المعروفة، وهي مثلما تتطلع لحريتها تستقي من مياه أنواع متعددة، فلن تخفى أصداء السيرة وشذرات اليوميات والتماعات الفكر في رصد المدينة العراقية عبر الحديث عن أقصى أحلامها وأصعب تطلعاتها، تأمل الآثار عبر حدي الفجيعة: الموت والسلطة اللذين يؤدي كلٌّ منهما إلى الآخر على أرض التجربة العراقية، والانصات إلى أصوات أصدقاء عبروا الأفق وبقيت ظلالهم، وصولاً لتنويعات الكتاب الجامعة حيث يستيقظ العالم القديم تعاويذ وطلاسم، ومن نقطة بعيدة يرسل العالم رسالته الأعمق في التعبير عن مضمرات الكتاب «حتى النصوص التي تحدثت فيها عن الجمال والمدينة أضمرت حركة كارثية لمجتمع منقسم»، معبراً عن مقصد بعيد، هو المقصد الأهم بين مقاصد الكتاب، استعادة صورة الوطن عبر تجلياته الجمالية بعد تخليصها من معترك الحياة والموت، لتقف الجماليات في مواجهة التحديات على اختلاف ضروبها، وتلك وصفة سهيل في الدفاع عن حياته بكل ما يملك من يأس ونسيان أمام ركام « أخطاء الأنظمة السياسية القاتلة وجرائمها، وعدم النضج السياسي والثقافي للقوى السياسية».
هل يطمح سهيل سامي نادر عبر كتابه لخوض منازلته الأولى والنهائية مع ما أفنى عمره في تجنبه والابتعاد عنه؟، وهل يكون النزول من العتبات صعوداً إلى المعنى المستحيل واستقطاراً لما تبقى من حلم الجماعة المثقفة بوطن آمن كريم؟.
لن تتحقق الإجابة عن مثل هذه الأسئلة من دون ملاحظة نبرة اليأس التي تحكم نصوص الكتاب وتحدّد مسار تأملاته، فليس بالإمكان فهم الحاضر المأزوم بغير الرجوع إلى نقاط مضيئة في معمار الوطن مازالت بحاجة إلى قراءة جديدة، وهي قراءة ابن المدينة الذي «لم يكن على وفاق دائم مع الزمن الذي يعيشه»، وذلك ما يدعو الكاتب مرّة بعد أخرى لخلع رداء الخوف والتحفظ والاضطرار للنظر عن قرب إلى ما تبقى من الأحلام لعلها لم تكن أوهاماً، وإلى الرغبات لعلها لم تكن نزاعات!.
بعد ذلك، ومن قبله، كتاب سهيل سامي نادر استعادة تعبير حي «معني بالدفاع عن الحياة، وعن القيم المدنية» العراقية، في لحظة حالكة من لحظات صراع المدنية مع قوى التخلف والظلام.