الانقلاب الأدبي

ثقافة 2021/08/11
...

د. أحمد الزبيدي 
من الأحاديث الشائعة ما بين الأدباء والنقاد والمثقفين حديث هيمنة الرواية على الشعر؛ وهو حديث يستشهد – كثيرا- بنبوءة حنا مينا حول تسيد الرواية في القرن الحادي والعشرين لتكون ديوان العرب بدلًا عن الشعر، الذي تولى وظيفة الديوان على مدى ستة عشر قرنا وتنوّعت التحليلات والتفسيرات: فمنهم من ربط الأمر بالسلطة والقربة من الشعر والتغني بهم، ومنهم من عدّ الأمر بالتحولات القافية وارتباط الرواية بالمدنية. 
وجاء النقد الثقافي ليقرن الأمر بالأمة والخذلان القومي العروبي بعد غزو الكويت وكأن الأمر بات حقيقة تحولات خارج حدود (النص) الأدبي، ماذا لو نظرنا إلى هذه الإشكالية في ضوء النص نفسه ومحاولة تفكيكها من داخل البنى الأسلوبية للنص الأدبي وتحديدا
الشعر.
ولتكن البداية من القصيدة العمودية حيث: اللغة والصورة والايقاع والتراتبية الايقاعية للوزن في النص العمودي تقتضي توازنًا منتظما في تفعيلاته وقافيته بغض النظر عن التنويعات الايقاعية كما في النص المرسل، وهذا النظام هو الثابت الراسخ في الثقافة العربية الذي حكم الشعرية العربية قرونًا طوالا، ثم جاء السياب وصحابته من الرواد فهشموا تلك التراتبية بحرية التعددية الايقاعية، وهنا مرحلة تحولية خطيرة في الشعرية العربية ثم أردفتها قصيدة النثر بغياب كلي للمكونات الايقاعية المبنية على بحور الشعر الخليلية لتكون اللغة ذات الكثافة الصورية هي المجسد لتجربة
الشاعر. 
ومن هنا أصبحت المسافة الفاصلة بين الأجناس الأدبية وأنواعها ضعيفة وقابلة للتجاور والتحاور، ولم يكن الشعر وحده هو السخي في تقديم تنازلات عن قوانينه الثابتة لتحقيق سمة التقارب، إذ ساعده الجنس الروائي في هذه المهمة وتحديدا القصة القصيرة ثم القصيرة جدا لتكون من التشابه والتقارب ما يجعل الناقد- أحيانًا- يصعب عليه التمييز بين قصيدة نثرية وقصة قصيرة ولربما لو أخفى الكاتب العتبة المحددة لنوايا الكتابة لكان التجنيس أصعب! بمعنى أن نثرية اللغة هي واحدة من أسباب هيمنة الجنس الروائي على
الشعر.
ولا شك في أن اللغة الشعرية تختلف عن اللغة النثرية السردية فهي حسب توصيفات ياكوبسن تتميز بالغائية، واللغة السردية بالتقريرية ولكن بماذا يمكن أن نصف نصًّا نثريا تهيمن عليه الصفة السردية؟ ألا يمكن أن تكون لغته تقريرية؟ ثم ما الذي يختلف فيه الشاعر عن السارد؟ أليس الكاتبان شريكين في صفة (الأدب/ الفن) ويختلفان في (الأسلوب) وهل الروائي ليس بشاعر؟ إذن لو نُظر إلى الإشكالية التفاضلية والمغايرة الاجناسية في ضوء قوانين الأدب ومكوناته الأسلوبية لكانت العين الفاحصة أكثر اكتشافًا وهذا لا يعني بطلان التصورات الثقافية والمرجعيات الخارجية، ولكن لكوامن النص نصيبا من المتغيرات وحقا شرعيا في التحولات.