قصص قصيرة جداً

ثقافة 2021/08/14
...

  حسن السلمان 
 
قدرٌ مكتوب
ليلاً، لاذَ خمسة جنود بالفرار من أرض المعركة، واختبؤوا في خرائب مزرعة مهجورة.. مع مطلع الفجر، تلبّدت سماء المزرعة بأسرابٍ كثيفة من الجوارح، وهي تحوم فوق خمسةِ خوذٍ مبعثرةٍ، لجنودٍ لاذوا بالفرار.
 
حكاية لم تكتمل
عندما دعا الناسُ القديرَ أن ينجيهم من الشرير ولايُدخلهم في تجربة استجاب لهم، فدخل الحكواتي الشهير دارهُ ولم يخرج منه قط.. هكذا مات الحكواتي الشهير وعلى لسانه حكاية لم تكتمل.        
 
دخانٌ ناصع البياض
اعتاد أن يكون آخر من ينام بعد أن يغلق الأبواب والشبابيك ويطفئ المصابيح.. في تلك الليلة، التي سكتت فيها الأصوات، وكفّت الأنجم عن تجميل وجه العتمة، غلبهُ النوم، ليجد نفسه راكضاً في اعقاب قطارٍ سريع، من مدخنتهِ، ينبعث دخانٌ ناصع البياض...   
 
قاربُ صيدٍ
 مطروح على الرمال
مثل أميرةٍ نائمةٍ تحلم أحلاماً سعيدة، فارقت الحياة وهي ممددة على سريرها الخشبي الذي لم تفارقه منذ سنين طويلة: كانت تقبض على صورةٍ لقاربِ صيدٍ مطروحٍ على الرمال، في قاعهِ بقايا سمكة، وعلى مقدمتهِ، يجثمُ طائرٌ، أشبهَ بالغراب.     
 
الناس
على ذكرى عينيها الممتلئتين بالقوة والدموع وبريق السكاكين في ذلك اليوم الساطع الشمس، عاش بقية حياته بين الناس: يأكل ويشرب كالناس. ينام ويصحو كالناس، لكن رائحته لم تعد تشبه قط، روائح الناس...
 
تماثيل الآلهة
أقول لأمي، يا أمي، دعيني أخرجُ  وأتنفس شيئاً من الهواء. فتسارع إلى النظر عبر النافذة وتعود إليَّ قائلة: «لاتفكر حتى. لم تعد تماثيل الآلهة تتجول في شوارعنا. فقط، ثمة كلاب في كل مكان، حتى أنني أصبحت أخشى أن أفتح صنبور الماء فيسقط واحدٌ منها.. أرجوك. لاتفكر حتى...». 
في غضون ليلة
في عيد ميلاده السابع، أهداهُ والدهُ طيرين من طيور الحب في قفص كبير من جريد النخل على شكل قبة، تتدلى من سقفه أرجوحة صغيرة. ذات يوم، نسيَ الصغير أن يغلق باب القفص على الطيرين، فطار الذكر، وبقيت الأنثى.. بعد أن اصبحت الأنثى وحيدة، رفضت أن تشرب قطرة من الماء، أو أن تتناول شيئاً من طعامها.. بقسوةٍ وجنون، راحت تصدم جسدها بقضبان القفص، وتطير من مكان إلى مكان مثل شخص ملدوغ إلى أن هدأت فجأة وانقلبت على جنبها جثة هامدة.. في غضون ليلة، ليلة واحدة، شاخ الصغير... 
 
حجارة العزلة
لم يتوقع أن يستقبله أحدٌ من سكنة المنازل الموحشة بهذه الحفاوة التي أعادت الحياة إلى قلبه الذي توقف عن الخفقان منذ مساء البارحة. حتى أنه لم يتوقع أن يُعمل له ممرٌ شرفيٌّ من الأطفال المشرقي الوجوه الذين كانوا يحملون باقات الورد والشرائط الملوّنة.. بل إنه رقص على أنغام الفرقة الموسيقية التي رافقته من 
باب داره حتى حافة قبره المشيّد من حجارة العزلة، وغبار النسيان. 
 
على السدة الترابيّة التي بلّلها المطر
سماءٌ غائمة. عجلة عسكرية تتكدّس في حوضها حظيرة من الجنود، تسير بصعوبة على سدة ترابية موحلة. على منحدر السدة ثمة جندي ميت تتلاعب الريح الباردة بثيابه الممزقة. تتوقف العجلة ويلوّح الجنود لرفيقهم الميت. تتحرك العجلة مخلفة الجندي الممد على المنحدر وتتوارى في الضباب. فجأة، ترشق وجههُ زخة مطر. تدب الحياة في عينيه، وتنفتحان شيئاً فشيئاً، لكنه لايرى شيئاً سوى طيف عجلة تتوقف، وثمة كائنات هلامية تلّوح لهُ من بعيد، هناك، على السدة الترابية التي بلّلها المطر. 
 
الفراشة
اصطاد فراشة ووضعها في دفتر أنيق وأرسلهُ إليها. كانت كلما اشتاقت إليه تفتح الدفتر وتتأمل الفراشة فيراودها شعور بأنها على وشك الطيران. بعد مضي أعوامٍ طويلة على افتراقهما تذكرت الدفتر والفراشة. على ضوء شمعة في ذلك المساء البعيد، فتحت الدفتر.. فرفرفت الفراشة وراحت تدور حول ضوء الشمعة حتى غمر الظلام كل شيء.