التصحر.. محنة خفية ومشكلة قادمة

آراء 2021/08/14
...

  د.سلامة الصالحي
يعد التصحر وزحف الرمال من المشكلات التي بدأ يعاني منها بلد زراعي ومخزون للمياه الجوفية مثل بلادنا، وتعد مشكلة خطيرة تخص نقاوة الهواء وبرودة الجو واعتدال المناخ، ولأننا نحوز على مساحات واسعة من الاراضي الصحراوية، ولأن انشغال البلاد بالحروب والتسليح اضافة الى مشكلة الفساد الاداري والمناكفات الحزبية والطائفية
حالت دون تنمية البلاد ومواجهة الفقر والبطالة وإعادة العمل بقانون الخدمة المدنية وتوجيه الجيش والقوات المسلحة بحملة وطنية ستراتيجية في تشجير الصحراء واستغلال المياه الجوفية الوفيرة التي تختزنها أرض السواد كمخزون ستراتيجي لايمكن له ان ينضب، ويقول العلماء الهنود إن الاراضي الخضراء هي التي تجذب الامطار الوفيرة وتساعد على تكثيف بخار الماء المنبعث من النباتات، أي أن قلة الامطار وانعدامها أحيانا في شتاءات العراق لها صلة وثيقة في مشكلة التصحر، التي بدأ غزوها وزحف رمالها على المدن واعطاء الهواء زخات من الغبار والرمال الناعمة وارتفاع درجات الحرارة التي تحول النباتات وظلالها دون ذلك، فهذا الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة الممتد من الفجر الى الفجر، من دون أن تكون هناك لحظة برد تبعثها غابات أثل أو زيتون، وكأن هناك نارا تستعر وتبعث بلهيبها على أرض البلاد. ولم يكن فقط الاحتباس الحراري هو السبب فقط يضاف الى هذا أن الاحزمة الخضراء وكثرة الاشجار التي تمتص السموم والانبعاثات السامة الناتجة عن مخلفات البشر وعوادم السيارات، التي أصبحت بالملايين، وفي إحدى حملات مقاومة التصحر بعد الاحتلال قام ذوو الخبرة القليلة باقتلاع شجيرات العاقول المقاومة للعطش والحرارة والتي تساعد على تثبيت التربة مما جعلها تفتعل مشكلة جديدة كان العراق في غنى عنها، فهي لا تحتاج للسقي وتمتص الشيء اليسير من المياه الجوفية، وفي تجارب الدول الصحراوية المجاورة ممكن استغلال الطين الناتج من كري الانهار في رش الاراضي الصحراوية، لاسيما نحن لدينا الكثير من الانهار والتي تجلب معها الطمى والرسوبيات، التي تفتتها الانهار وهي تنجرف من أعالي الجبال، ويمكن استغلال آليات الجيش والبلديات في حملة تأريخية بحفر الآبار واستخدام طرق الري الحديثة بالتنقيط، وزراعة الاشجار دائمة الخضرة من زيتون وفستق وجاكرندا. وتوجد الكثير من فصائل الاشجار دائمة الخضرة التي يمكن استيرادها من الباكستان او الهند لتلائم أجواء العراق ومناخه الحار الجاف، الذي سيتحول بفضل الغابات التي ستتم زراعتها واعتبارها غابات وطنية الى مناخ معتدل في الصيف. ولنا في الامارات العربية المتحدة والسعودية ومصر خير مثال على ذلك، ولنحول شتاء العراق الذي انحسرت فيه الامطار الى شتاء ممطر وبارد وصيفه ومعتدل وأقل قسوة.
إن مشكلة التصحر إذا اهملت وتم الصمت عنها ستجر معها مشكلات كثيرة تؤثر حتى في الوضع النفسي للانسان، فتكثر حالات التوتر واليأس والانزعاج الذي قد يؤدي حتى الى سهولة الشروع في القتل عكس ما تفعله المساحات الخضراء من هدوء وارتياح نفسي سيؤدي الى زيادة انتاجية الفرد وفرصة لتحسين الوضع النفسي البائس، الذي خلفته الحروب والحصار والموت المجاني، من هنا يجب أن نستغل القدرات العلمية من علماء الزراعة وخبراء الري والخريجين الجدد، واستغلال قدرات الجيش والايدي العاطلة في مشروع طويل الامد، لزراعة الغابات الوطنية وتثبيت التربة التي بدأت بالهجرة من الصحراء الى المدن، فهناك آلاف الخريجين الذين من الممكن استثمار طاقاتهم الشبابية في هذا المشروع العملاق، الذي سيضم تحت لوائه مشاريع جديدة تخدم اقتصاد وبيئة البلد، ومنها مشاريع السياحة والترفيه، إضافة الى مشاريع اعادة نخيل العراق الى سابق مجده بحملات وطنية وروح وثابة نبيلة، خدمة للبلاد وذخيرة للأجيال القادمة، نحن بحاجة كبيرة الى أيد امينة توقف زحف التصحر وجرف البساتين والاراضي الخضراء في المدن ومقترباتها وتخطيط المدن والشوارع وتوسعتها بتخطيط حداثوي، كأي دولة أسهمت حكوماتها وشعوبها في ارتقائها، وتقدمها ولنا من الثروة البشرية ما يكفي علما واقداما ووطنية، وزراعة كل مساحة خالية في شوارع المدن. فالارض الخضراء تضيف الاناقة والجمال والراحة لعين الناظر ويعتدل الجو وتطيب من خلالها النفوس، نناشد الجهات العليا ووزارة الزراعة بالبدء جديا وبضمير حي في زراعة الصحراء وتحقيق حلم ملايين العراقيين، الذين يراقبون بلاد تزدهر بخضرتها وهي لاتمتلك أي مقوم من مقومات الزراعة كالعراق، بل أن مستقبل العراق هو في الزراعة وتنمية الصحارى الشاسعة واستغلال المياه الجوفية الهائلة، فالمورد الوحيد هو البترول والذي سيتحول في السنين القادمة الى بضاعة رخيصة وغير مطلوبة بعد التحول الى الغاز والكهرباء والطاقة النووية والشمسية. نحتاج الى خبرات علماء العراق لوضع خطة كاملة لانقاذ اقتصاد وأرض العراق وتحويل مجرى فروع الانهار، المهددة بالتصحر في كلا الحالات، ويمكن استغلال هذه الغابات التي نحلم بها في زراعة الفواكه والخضر واكتفاء البلاد ذاتيا، اضافة الى هجرة عكسية ستحدث من المدن الى هذه الغابات بعد أن يعم خيرها وفائدتها، العراق بحاجة الى كل الجهود لاعادته الى اخضراره وغاباته وجماله ولقبه الجميل أرض السواد. حيث تبدو الغابات الى الناظر اليها، سوداء من شدة اخضرارها «وقل أعملوا وسيرى الله عملكم والمؤمنون».