رمزية التماثيل في الساحات العامة

آراء 2021/08/14
...

  ابراهيم سبتي
لأن الساحات العامة والحدائق ومداخل بعض الدوائر او الوزارات، تكون في الواجهة وتلفت انظار الناس من جميع المستويات الثقافية والمعرفية. فشُغلت اغلب هذه الاماكن، بالنصب والتماثيل إن كانت في بغداد او باقي المدن العراقية.فكان منها الفني والجمالي والمعبّر عن تاريخ مشرّف او شخصية لعبت دورا رياديا في الثقافة او السياسة او التاريخ او يكون معبرا عن ملحمة او اسطورة او حالة انسانية في العلوم او المجتمع 
 
وربما يكمن القصد الاساسي والرئيس والمعنى الظاهري للتمثال او النصب، هو دلالته وبكل فخر إلى تكريم صاحب الشخصية مهما كان مجال ابداعها والإعجاب بشخصيته المتفردة والمنتجة في ميدانها واختصاصها، واعتبارها شخصية مؤثرة ومتميزة تركت بصمة لا يمكن محوها في الحياة العامة من جيل الى جيل. وهذا هو القصد المباشر لإقامة هذه الصروح الفنية وفي شتى مجالات تأثيرها الفكري والنوعي والجمالي. 
لكن البعض الاخر من النصب والتماثيل، نستغرب كيف سمح بوضعه في الاماكن العامة وجها لوجه مع الناس، وهو مجرد من الناحية الجمالية والقيمة الفنية والتعبيرية. فهو ضعيف فنيا حد السخرية، لأنه خارج عن السياق الفني المتعارف عليه، فتحول الى كتلة اسمنتية او حجرية لا تعبّر عن أي شيء سوى الركاكة والفقر الفني واطلاق التعليقات الساخرة. إن الواجهات الفنية، يجب ان تكون اكثر ابداعا وجمالية وتجسيدا للحالة او الشخصية صاحبة التمثال، لكي تلتصق باذهان الناس لقوة صياغتها وتنفيذها الذي يدّل على احترافية النحات وقوته في عمل التماثيل التي هي اصعب فنون النحت قاطبة، خاصة تلك التي تنتصب في الساحات العامة وفي مواجهة دائمة مع الجمهور. انها بالتأكيد دالّة على تاريخ حضاري ورموز تاريخية في الدين او الشعر مثلا او في العلوم والملاحم، لذا تكون فكرة اقامتها تنحصر ضمن لجان متخصصة او ذات العلاقة لأجل اخراجها فنيا مقنعا وجذابا. ونذكر اللجنة المشرفة على اقامة التمثال او النصب، ليس تدخلا في عمل وموهبة الفنان، بل لأنها تؤدي دورا مساندا لدور الفنان منفذ العمل، وتشترك معه في مسؤولية اقامته. ولدينا دوائر متعددة يمكن ان تنتدب اشخاصا لهم الالمام الفني والثقافي لتعضيد فكرة الفنان وتحويلها الى الواقع، وهو ليس احراجا للفنان ابدا بقدر ما هو المشاركة في الرأي والمشورة. واعتقد ان اقرب من يشترك في تصوراته مع الفنان هي وزارة الثقافة ودوائرها، خاصة الفنون التشكيلية المعنيّة بهكذا اعمال، اضافة الى مهندس كفوء للتنفيذ مع وجود نوعي لأمانة بغداد او بلديات المحافظات، لكي تكون المسؤولية تضامنية ومشتركة في حال تعرض العمل الى الانتقادات الشعبية بعد اقامته لاي سبب من الاسباب. وفي الآونة الاخيرة، لاحظنا الكثير من التماثيل خاصة، في الساحات العامة مقامة بشكل رديء وساخر في بعض الاحيان، لأنها غير مستوفية شروط اقامتها التي تعبر عن الاحترافية والموهبة والقدرة والامكانية في تنفيذها. وينسحب كلامنا هنا على النصب والتماثيل الموجودة اصلا والتي غلفّها الغبار والاتربة، فضاع لونها وشكلها مما يتطلب ادامة دورية لتنظيفها وترميمها واعادتها الى اصلها الجميل
 واللافت.
 فهي اذن مهمة الجهات التي اقامتها او التي تقع الساحات ضمن مسؤولية ادارتها. فتنظيفها ليس شكلا من اشكال البطر والترف، انما لجعلها تبدو زاهية كما كانت وتعكس الحالة الجمالية والفنية المبهجة للناظرين. وفي بغداد والمدن العراقية، ثمة تماثيل قد فقدت بريقها بسبب الاهمال والتأخير في ادامتهاـ واعتقد ان هذه العملية لا تتطلب الجهود الكبيرة او التكاليف الاعجازية، بقدر ما هي لفتة ممتعة لاعادة بهجة وأثر تلك المنحوتة الفنية الدّالة على مرموز ديني او تاريخي او ادبي او أي مدلول آخر، طالما وضعت باحتكاك وتماس مباشر مع الناس. لذا كان الافضل ان تُشكل اللجان المختصة لتقييم وتزكية جميع المنحوتات المقامة في الساحات العامة ومداخل بعض المدن والشوارع، وازالة الرديء والركيك فنيا وتنفيذيا، والتي لا تليق بمكانة تلك المرموزات ولتجنب الاشكالية التي تثيرها، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي تناولت العديد منها. حتى يفرز التقييم الذي يناسب الذائقة العامة والابقاء على ما هو جمالي وابداعي، لأنه بالتالي يعبر عن المستوى الفكري والثقافي والحضاري للمجتمع وخاصة انها ترجمان واضح ومختصر لحقب زمنية من التميز والابداع والعطاء حسب مجال وميدان كل رمز منها.