العمق الدلالي والجمال الصوري في (هكذا اسرق الفرح)

ثقافة 2021/08/14
...

  علوان السلمان
 
النص الشعري.. شكل تعبيري.. وانعكاس للوجدان بتسجيل اللحظة ومزجها بالخيال (الملكة التعبيرية المتجاوزة..) لتحقيق هوية الشاعر الابداعية والانتماء الى دائرته القائمة على شعرية النسق (ترابط الألفاظ الموحية.. الخالقة لجملها الصورية المتلاحقة والمتوائمة والحركة النفسية بدقة متميزة بتقنيتها الأسلوبية ورؤيتها الشعرية المستفزة لذاكرة المستهلك (المتلقي).. 
  وباستحضار المجموعة الشعرية (هكذا أسرق الفرح).. التي لم تخلُ من الهوامش السياقية التي تحدد زمن التدوين النصي.. والتي نسجت عوالمها الشعرية أنامل منتجتها الشاعرة رفاه الامامي.. واسهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/ 2021.. كونها نصوص تكشف عن وعي فكري يستوعب مفارقات الوجود وفق منظور ينم عن استيعاب المتناقضات الحياتية بكل مكوناتها:
(في أوطاننا الهشة
نحن مواطني أرض الموت الرمادية
تركنا أحلامنا تحت شجر الصفصاف
وارتدينا ظلالنا حمراء صارخة
بينما بقي العالم أبيضا وأسودا
جراحنا دون دماء
وموتنا دون فم) /ص17
(منذ أن أصبح الحب رماديا
وأنا اتّقد في مجمرة تتناسل حروفها
فوق بياض الحبر السري 
فتغلق أوراقي اخضرارها.. وتصفر) / ص27
فالنص يعبر عن وعي فكري يستوعب مفارقات الوجود وفق منظور خالق لصوره الشعرية التي تعمق رؤية الشاعرة، وتضفي عليها جمالا منبثقا من صدق التجربة الواقعية المأزومة لتصبح الدلالة الشعرية معادلا موضوعيا للموقف، وهي تكشف عن العلاقة الجدلية بين الذات والموضوع بأبعادها الدلالية والايحائية والرؤيوية.. فضلا عن اتكاء المنتجة (الشاعرة) على احلام اليقظة واستنطاقها برؤية ودلالات متفاوتة تعمل على اثراء النص باعتماد التكثيف اللفظي الدال والاختزال الجملي الكاشف عن طاقة شعرية متفاعلة والواقع مع قدرة على ازاحة مستوياته التعبيرية وتشكلاته الصورية الى عمق دلالي بدفق شعوري مقترن بالذات الجمعي كفعل وتفاعل.. ابتداءً من عتبة العنوان العلامة السيميائية الدالة بفونيماتها الثلاثة التي تختزل تمرّدا يدور في دواخل المنتجة (الشاعرة) باستنفار قواها الفكرية لتحقيق الانتشاء بالفرح.. فتكشف عن الدلالة المقترنة بالنصوص الموازية (اللوحة الحرفية التي فرشت روحها على الواجهة الامامية للغلاف واعتلاها اسم المنتج (الشاعر).. وجنسه.. فكشفت عن الاعماق النفسية بكل تجلياتها الصورية المتلاحقة بجملها المعبرة عن الموقف النفسي والانتماء للحظة الشعرية المندافة بظلال الوطن بألفاظها الموحية.. فضلا عن توظيفها اللون الذي شكل ملمحا جماليا ومحورا رمزيا بدلالته التي تدور حولها عوالم النص.. كونه عنصرا من عناصر البناء الفني بما يحمله من دلالات نفسية واجتماعية مرتبطة بالرؤية الشعرية الكاشفة عن احساس المنتجة (الشاعرة) والتعبير عن جوهرها الفكري.. لذا فهي توظف اللون بحكم تأثيره الفيزيولوجي من جهة، ومن جهة أخرى أنه يكشف عن الاحاسيس والهواجس الذاتية والمجتمعية.. لذا فهو يبتعد عندها عن محوره البصري ليلامس المنظومة الصوتية والسايكولوجية فيحقق قيمة ايحائية في بناء الصورة الشعرية..
(أبحث كل يوم في مرآتي
والشيء الوحيد الذي أستطيع أن أراه
هو غيابي) / ص16
(تبعثر تجاويف العمر في مرايا سماواتها
آفاقا متلاشية يتعمّق في ظلالها بكاء
لطيور طليقة) / ص38
فالنص يقوم في مبناه على (الجمل النصية المكثفة.. الموجزة.. المختزلة المتميزة بألفاظها الموحية ونسجها الاسلوبي..) ومعناه على الصعيد المضموني الاغترابي.. على قطبين اساسيين: اولهما القطب الفني وثانيهما القطب الجمالي الخالقان للصور الشعرية التي هي مجموعة من علاقات لغوية يخلقها المنتج (الشاعر) ليعبر عن انفعاله الذاتي بتوظيف التشبيهات والاستعارات والكنايات والمجازات والرموز..
(ذكريات تترقرق فوق جدران البنفسج
سقطت من وقتها الفضي جذلى..
دون ريح...دون برق.. دون أمطار وبرد
فاستفاق الحقل في نافذة الروح اخضرارا
وتلملمت جناحين وطرت... بين أقمارك عصفورة سكر) /ص57
فالنص يتأرجح ما بين السرد الشعري والحوار الذاتي بتوظيف الفعل الدال على الحركة (تترقرق/ سقطت/ استفاق/ تلملم/ طرت/..) الخالق للصورة الشعرية التي هي نتاج الخيال وانعكاس للحالة النفسية للمنتج.
وبذلك قدمت الشاعرة خطابا شعريا يكشف عن رؤية تتصل بطبيعة ذاتها وتكوينها الفكري، فتفردت بعمقها الدلالي وجماليات صورها الشعرية بلغة مكتنزة بالثنائيات الضدية (الحضور والغياب/ ابيضا واسودا/ اخضرارا واصفرارا) التي تكشف عن عمق التجربة وبراعة التصوير وسعة الخيال (مبدع الصورة) على حد تعبير باشلار.. فضلا عن اعتمادها آليات الانزياح اللغوي والتشكيل الجمالي.