ما بين الحضانتين مُستقبل تائه

آراء 2021/08/16
...

  رؤى زهير شكر
في نهاية كل دورة برلمانية تثار مادة تشريعية في أحد القوانين المراد تعديلها وتسرب للإعلام لإشغال الرأي العام، وهذا ما حصل في الفترة الماضية حول تعديل المادة 57 من قانون الاحوال المدنية، التي تنص على أحقية الحضانة بين الوالدين التي تعد فجوة كبيرة ومؤلمة في الوقت ذاته، إذ تجاهل المشرعون فيها «المحضون» وضربوا عرض آلام مشاعر الطفل.
غير عابئينَ بتشظّيهِ بين طرفي الصراع العائلي، ولم ينتبه أحدٌ منهم للعواقب والضغوطات النفسية على المدى البعيد للطفل المُتنازع عليه. يتجادل منذ سنوات مساران سياسيان حول قانون الاحوال المدنية العراقي، الأول يمثله طيف واسع من جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، الذي يرى في مسألة الحضانة اضطهادا بحق الرجل ومخالفةً للموروث الإسلامي في ما يخصّ رعايته لأولاده، بينما ترى الفئة المدنية أن القانون الساري يعطي المرأة حق الحضانة، الذي يُعدّ من أهم القوانين المتحضرة والمتقدمة المتعلقة بالأسرة والأحوال الشخصية، كونه من أهم مُنجزات ثورة 14 تموز 1958 الذي أشرف عليه وشّرعه نخبة خيرة من أصحاب الاختصاص والشأن. فما بين المسارين تتم صناعة قرار من فئة اخرى وهي الفئة المُشرعة الناشئة مجتمعيا والمتأثرة بعاداته وتقاليده.
فالمجتمع العراقي اليوم يعاني جملة من الموروثات والتقاليد الشعبية رغم هشاشتها المنطقية التي تتمظهر اساسا حول نظرة الرجل إلى المرأة اجتماعيا وعشائريا، كونها الطرف الاكثر ضعفا في الحلقة المجتمعية منهم من يستند الى «الرجال قوامون على النساء او من مفهوم المرأة ناقصة عقل ودين او من مقولات اخرى مسخت دورها» وهذه في الحقيقة نابعة من كون سلطة الرجل هي الغالبة في كل مجالات الحياة، حتى داخل الأسرة لذا يُعرف المجتمع العراقي بالذكوري.
وانطلاقا من هذا الواقع والنظرة التاريخية للمرأة بشكلٍ عام ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة بشكلٍ خاص، كونها كيانا مستلباً وفاقدا لأهليته، بينما تعدها فئة من المجتمع المُحافظة سلةً مستعملةً غير مرغوبٍ فيها- فضلا عن أن حظوظ زواجها ثانية تكون ضعيفة - فيُنظر إليها بازدراء ودونية وكأنها ارتكبت جرماً، على الرغم من التطور الحاصل في مسار الحياة اليومية للفرد، إلا أنها تبقى حبيسة هذه النظرة القاصرة، فالمجتمع العراقي ما زال تحت تأثير فكرة أن المُطلقة غير مؤهلة لإعداد جيل سوي وأن اختيار الانفصال كان بعد مرحلةٍ من الاضطهاد والظُلم، وان الحياة الوردية لم تكن الا تعنيفا لم يُجهر به.. وهنا لا بد من العودة الى أصل المشكلة المتمثلة بالحقوق، التي استحصلتها المرأة من قانون الأحوال الشخصية المشرعة أبان ثورة تموز الذي أقر كامل الحقوق للمرأة إن كانت متزوجة أو منفصلة أو مطلقة أو ارملة، ويعد واحدا من اهم القوانين في المنطقة الذي يدخل في صراع بين القوى الدينية والقوى المدنية.