لماذا على كل مسؤول عراقي أن يقرأ تاريخه؟

آراء 2021/08/16
...

 باسم محمد حبيب
قد لا أغالي إذا قلت أن الملك شولكي ( 2094 – 2047 ق.م ) الذي هو ثاني ملوك سلالة أور الثالثة وابن الملك أور نمو مؤسس هذه السلالة، هو أعظم من حكم العراق منذ أقدم العصور، فضلا عن أنه ربما يعد أيضا من أعظم عدة ملوك حكموا العالم، وذلك لضخامة الانجازات التي حققها خلال مدة حكمه الطويلة التي قاربت النصف قرن، إذ يمكننا أن نوجز منجزاته بالآتي:
• توطيد سلطة سلالته وتوسيع نفوذها في محيط بلاد الرافدين، فبعد نجاح أبيه في تأسيس سلالة جديدة في أور والسيطرة على معظم المدن السومرية، قام شولكي بتوسيع رقعة حكم السلالة لتشمل مناطق واسعة في محيط بلاد الرافدين، مسيطرا على كل من ماري في شرق سوريا وعيلام في جنوب غرب إيران وأرض الكوتيين وجنوب آسيا الصغرى، مؤسسا واحدة من أقدم الدول الكبرى، إذ تأتي في التسلسل الزمني من حيث القدم بعد كل من إمبراطورية الوركاء قبل عصر السلالات والأمبراطورية الأكدية، فكانت بحق أكبر دولة سومرية من حيث المساحة، وأكبرها من حيث الإمكانات، وأعظمها من حيث النفوذ السياسي والاقتصادي.
• إقامة نظام حكم متين، إذ يعود الفضل لـ الملك شولكي في إقامة أحد أقدم الأنظمة المركزية في بلاد الرافدين، إذ قسم مملكته إلى عشرين مقاطعة ترتبط مباشرة بالعاصمة أور، على كل منها أمير يلقب بـ «أنسي» يكون مسؤولا أمام الملك عن كل ما يدور في مقاطعته بإستثناء الجوانب العسكرية التي أعطيت مسؤوليتها إلى القائد العسكري في المقاطعة، الذي هو الآخر مسؤول أمام الملك مباشرة وهو مستقل استقلالا كاملا عن حاكم المقاطعة، التي تقتصر مسؤولياته على الشؤون غير العسكرية كالجوانب الإدارية والاقتصادية والقضائية وما إلى ذلك.
• إقامته لنظام قضائي مركزي، إذ يعد شولكي من أقدم الملوك الذين اهتموا بالجوانب القضائية، وهذا ما يتضح من القانون الذي ينسبه البعض لأبيه أور – نمو بينما يعده آخرون من تشريعه هو، وعلى الرغم من أننا لا نعلم على وجه اليقين إن كان هذا القانون قانونا لجميع الإمبراطورية أم هو خاص بمدينة أور فقط، إلا أن من المحتمل أن يكون قانونا مطبقا في مدن عدة خاصة السومرية، وربما عد أيضا القانون الذي يجري التقيد به عند الاختلاف بشأن القضايا المثيرة للجدل.
• جعل الدولة المالك الأكبر لوسائل الإنتاج، إذ نجحت دولة سلالة أور الثالثة في بناء اقتصاد تشكل الدولة أحد أكبر مالكي وسائل الإنتاج فيه، ما يجعله أقرب ما يكون إلى الأقتصاد التعاوني منه إلى الاقتصاد الحر، فأصبحت للدولة مزارع خاصة بها في كل مقاطعة من المقاطعات يديرها وكيل ينوب عن الملك أو حاكم المقاطعة، وأصبحت تملك حظائر لتربية الحيوانات وورشا للحرف، فضلا عن أسطول للنقل النهري والبحري وقوافل من الحمير تنقل تجارتها البرية، إذ كانت لدولة شولكي صلات تجارية مع الهند وشرق إيران وشرق أفريقيا ومصر
 وغيرها.
• اهتم شولكي بالجوانب الحضارية، فهو يعد من أعظم البناة الذين عرفتهم بلاد الرافدين، إذ ينسب له بناء وترميم معظم معابد الآلهة في المدن السومرية وبلاد عيلام وأربيل «أربا أئيلو» وغيرها، فضلا عن بناء وترميم عدد من الزقورات ومنها زقورة أور التي يعتقد أنها أكملت في عهده لتعد واحدة من أعظم الصروح المعمارية في العالم، إذ هي مازالت قائمة على الرغم من مرور أربعة آلاف سنة على بنائها، كما أوجدت دولة أور في زمنه وظائف عدة لم يكن لها وجود من قبل، وبات القصر الملكي يتكون من مئات الموظفين لكل منهم وظيفة محددة منهم الفنيون والمهندسون والموسيقيون والنحاتون وغيرهم، والجدير بالذكر أن شولكي نفسه عرف باتقانه للغناء والعزف على عدة آلات موسيقية، فضلا عن معرفته بالكتابة، إذ يعتقد أنه كان يعد من الأدباء المؤلفين للنصوص الدينية والأدبية.
هذا غيض من فيض ما حققه هذا الملك العظيم لبلده، فهل يمكن لمن يحكم هذا البلد اليوم ان يحذو حذوه ويسير على خطاه؟ أم أن مثل هذا الأمر صعب عليهم، والحقيقة أن الأمر صعب فعلا، لأن ملكا كهذا لم يتكرر كثيرا ليس على مستوى العراق وحسب بل والعالم أيضا، لكن أتمنى من كل مسؤول أن يقرأ تاريخه، عسى أن يكون بمقدوره فعل بعض مما فعله هذا الملك لهذه البلاد حتى باتت في عهده أعظم بلدان العالم وفي شتى المجالات.