ما بين الفن الرافديني والفن العربي ما قبل الاسلام

آراء 2021/08/16
...

 أ. د. نجاح هادي كبة
 
تتصل الحضارة والثقافة بعضها ببعض عبر التأريخ في الفنون والعلوم والعمران والبناء وغيرها من مناحي الحياة ولاسيما في الرقعة الجغرافية الواحدة اتصالاً جزئياً أو كليّاً، وهذا ما تعكسه العلاقة بين الفن الرافديني والفن العربي في عصر ما قبل الاسلام، وعلى النحو 
الآتي:
• في فن التماثيل: عرف العرب في الجاهلية فن التماثيل ولاسيما في المناطق الحضرية كاليمن فقصر غُمْدان الذي كان عند مدينة صنعاء، كان من القصور السامقة الرائعة، وقد بقيت آثاره وأطلاله حتى القرن الرابع للهجرة – أي القرن العاشر للميلاد – وكان فيه عشرون طبقة بين كل طبقتين ارتفاع عشر أذرع، وكان فيه ساعة مائية، وفي كل ركن من أركانه تمثال نسر ورأس أسد، وأكثر مرمره مُملّس ملمّع وفيه يقول الشاعر الهمداني:
يسْمو الى كَبِدِ السماءِ مُصَعَّداً
عشرونَ سَقْفاً سُمْكها لا يقصرُ
 
وبكلِّ ركنٍ رأسُ نَسْر طائرٍ
أو رأسُ ليثٍ من نحاسٍ يَزأرُ
 
متضمِّناً في صدره قطارةً
لحسابِ أجزاءِ الزمانِ تقطِّرُ
 
فأما الاسود التي أشار اليها الشاعر، فكانت رؤوسها من نحاسٍ مجوّفة فاذا هبّت الريح عليها دخلت في أجوافها فتحدث زئيراً كزئير الأسود.
{د. مصطفى جواد، دراسة وتحقيق، حسين محمد عجيل، بغداد، دار الشؤون، 2021م، ص112}
وفي عصر ما قبل الاسلام {عثر على عدد من تماثيل الحيوانات نحتت من المرمر، ومن أحجار أخرى، فعثر على تمثال بقرة وعثرت بعثة {وندل فيلبس} على تماثيل ثيران في خرائب مأرب، كما عثر بعض الباحثين على تماثيل أسود أو 
خيل}.
{ د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، آوند دانش، ج8، ط1، 2006م، ص28} بتصرف.  وقد ولع الرافدينيون بفن نحت التماثيل فقد وصلتنا من عهد جمدة نصر مجموعة من الأحجار الصغيرة المنحوتة بهيئة حيوانات وطيور مختلفة، يشير نحتها في التعبير والتمثيل إلى مهارة فنيّة في المشاهدة وتناسب في الأعضاء... بلغ الآشوريون في نحت الحيوانات حدّ الكمال ... وقد ولع الآشوريون بنحت التماثيل الضخمة من الحجر، بعضها يمثل أشخاصاً من بينهم الملوك أنفسهم وبعضها يمثل الحيوانات الضخمة ولاسيما الثيران المجنحة التي تُرى مليئة بالحياة والجلال ... وقد استخدم الآشوريون المعادن أيضاً في صناعة التماثيل فقد عثر على تمثال أسد من البرونز في قصر دورشروكين، كما وجدت سباع برونزية أخرى في النمرود {د. سهيل قاشا، عراق الأوائل، العارف للمطبوعات، بيروت، ط1، 2010م، ص152 – 153}. {وكان عرب اليمن أول من صنع تماثيل الأسود من العرب، فقد وجد في خرائب {تُمْنَع} من بلاد اليمن تمثالا أسدين وعلى قواعدهما كتابة قتبانّية بالخط المسند، وقد ذكرنا تماثيل الأسود التي كان قصر غُمْدان مزيَّناً بها. ووجد في آثارهم أيضاً أسد مجنح منحوت على لوح من المرمر، وهو محفوظ في التحف في إستانبول} {د. مصطفى جواد، المصدر السابق، ص118}. وقد ساعدت أرض اليمن بما فيها من معادن وحجر وطين وغيرها من المواد الاولية على تطور الفنون في اليمن والتفنن بها.
• في فن البناء: فن البناء يشمل فروعاً متعددة {كهندسة المدن والقصور والدور والحصون والقلاع والمدارس والمساجد والمعابد والخانات والرُّبُط والتكيّات والحمامات والجسور والقناطر والسدود والشاذروانات}
{د. مصطفى جواد، المصدر السابق، ص111}
ويبدو التقارب في فن البناء بين الفن الرافديني وفن عصر ما قبل الاسلام في الهندسة المعمارية للبيوت إذ يقسم البيت الى عدة أقسام أو طوابق كل قسم مختص بوظيفة معينة، ففي عهد تركز الحكم لدى سلالات معينة في بلاد الرافدين كانت قصور السكن للحاكم او الملك في بلاد الرافدين تتكون من اقسام عدة 
هي:
1 - قسم الاستقبال والتمثيل الحكومي.
 2 - القسم الخاص، وهو عبارة عن سكن الملك.
 3 - قسم الخدمات. ويلاحظ ان هذه القصور تحاط بسور خارجي وتبنى أحياناً على مكان مرتفع/ والآشوريون يختارون القصور في موضع ستراتيجي مُحصّن على هيئة قلعة وللقصر فناءان، الأول، هو فناء المدخل {بابانو} الذي تحيط به فراغات التمثيل الحكومي والثاني فناء القصر {بيتانو} حيث يقع مسكن الملك والملكة. 
{عن الانترنيت، بتصرف  e.muffed.com.erjart}.
ويتخذ بناء القصور في الجاهلية تقسيم البيت الى أقسام عمودية كقصر غُمْدان – المار الذكر – وقد يقسّم الى طابقين علوي وسفلي، فالطابق الارضي تخزن فيه الميرة وما يحتاج اليه، وكذلك الماشية، اما الطابق الثاني او ما بعده فيتخذ مسكناً لأهل القصر ويدافع عنه من السطح. {د. مصطفى جواد، المصدر السابق، ص28، بتصرف} وسواء أكان البناء عمودياً أم أفقياً فأن لكل قسم من اقسام البناء وظيفة معينة وهذا يدل على الرقي الحضاري في الفن العماري في بلاد الرافدين وفي عصر ما قبل 
الاسلام.