المانشيت الخالد

آراء 2021/08/16
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
قبل نحو اربعة عشر قرنا من الزمان، كانت ثورة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب «ع» في كربلاء.. وعلى الرغم من مضي 1382 عاما، ما زالت تلك الثورة خالدة، بل تزداد جذوتها اتقادا عاما بعد عام، ولا اظن ان ثمة حركة او ثورة شهدها التاريخ، حظيت بمثل هذا الخلود، وهذا الثبات، وحافظت على جذوتها المتألقة المتجددة، وقطعا، ان هذه الثورة ما كان لها كل ما كان، لولا انها، كانت من اجل الانسان، لكي يعيش حياة حرة كريمة، تسودها العدالة، وسلطان  الحق، الذي يحفظ للناس حقوقهم، وإلا لو انعمنا  النظر في احداث الثورة، لوجدنا طرفيها غير متكافئين، وكان بامكان الثائر الامام الحسين، الذي لم يكن معه سوى نفر قليل من الاهل والاصحاب، ان يجنب نفسه صداع الرأس، وينجو من الموت لمجرد النزول عند رغبة الحاكم، ويعلن مبايعته للسلطان، وينتهي كل شيء.
الا ان ما كان عليه حال المجتمع، والتردي الكبير، الذي شهدته الدولة آنذاك، وامتهان كرامة الانسان، وانتشار الفساد في كل المفاصل، دعت الثائر الذي قطع عهدا على نفسه، ان يحارب كل انواع الظلم والفساد، ولو كلفه ذلك حياته ثمنا، الى الاعلان عن ثورة الاصلاح، ثورة الموت من اجل الحياة، فكان ما كان من احداث مروعة نقلتها كتب التاريخ، ورغم هول المعركة، وما شهدته من مقتلة عظيمة، الا ان الصفحات المشرقة، التي كانت تشّع من تلك الدماء الزواكي، سجلت لنا مواقف، لن تتكرر، مواقف في البطولة المنقطعة النظير، والتضحية غير المسبوقة، والوفاء  المتفرد، والالتزام بالمبادئ، والاهم من ذلك كله، ان الثائر واصحابه على قلتهم، وقفوا قبالة جيش جرار، له اول وليس له اخر، فلم يهنوا ولم يضعفوا، ولم تصبهم رعدة الخوف، بل كان صمودهم اسطوريا، ليخطّوا بنجيع دمائهم،  اكبر «مانشيت» في صدر صحيفة التاريخ والحياة، يقول هذا المانشيت»انها ثورة الموت من اجل الحياة».
وعلى مدى اربعة عشر قرنا من عمر ثورة الحسين الخالدة، كان «مانشيتها» العريض، بمثابة المصباح الذي يضيء الطريق، امام الشعوب المقهورة، لتثور ضد الظلم والجور، والشواهد التاريخية كثيرة، وغاندي الذي تعلّم من الحسين كيف يكون مظلوما لينتصر، ليس ببعيد، فقد الهمته الثورة الحسينية روحا وثابة مكنته من تحرير الهند.
اما نحن الذين «نتبنى» مبادئ ثورة الحسين، ونستذكرها في كل عام، فاعتقد اننا ابتعدنا عن جادتها كثيرا، بلحاظ الكثير من السلوكيات التي كانت سببا في ان يعلن الحسين ثورته، ويموت، من اجل محاربة تلك السلوكيات، وبهذا نكون مزدوجي السلوك! وهذا من شأنه اجهاض مبادئ الثورة العظيمة.
نحن بحاجة اليوم الى اعادة النظر بسلوكياتنا، ووضعها بموضع المقارنة مع المبادئ الحسينية، لنقيس مستوى نكوصنا وانحرافنا عنها، واظن ان ذكرى ثورة الدم الزاهر، والموت من اجل الحياة، فرصة مناسبة، لأن نقف مثل هذه الوقفة، ونسأل انفسنا: اين نحن من تلك الثورة؟!.