الخطاب الحسيني وثقافة الشجاعة

ثقافة 2021/08/16
...

علي حسن الفواز
 
رمزية الشجاعة تتبدى عبر الموقف، وعبر ما تحمله من قوة اخلاقية، ومن قيمة تتجوهر في ثبات الانسان على ذلك الموقف والايمان به، وعلى وظيفة خطابه التعبيرية ازاء ما يتجسد في التاريخ والحدث، أو ما يبرز في الاعمال وفي مواجهة المكاره والصعاب..
في عاشوراء نستعيد تلك الرمزية بوصفها فعلا ثقافيا، ينطلق من وعي المسؤولية، ومن عمق الايمان، ومن فاعلية أن تكون المعارضة رفضا حقيقيا للذل والهوان، وهو ما برز واضحا في كربلاء الطف، إذ جعلا الامام الحسين عنوانا لمواقف كبيرة نحتاج اليها في حياتنا، لمواجهة ضعف النفوس، وعجز المواقف، وفساد الذمم، ولكي نجعل منها خطابا ثقافيا للنقد وللتعلّم والتعرّف وللوعي بأنساقها الظاهرة والباطنة، وللمسؤولية التي تؤكد على مبدأ الحرية، والحق، ولرفض كل الظلم والاستبداد والخداع التي توارت خلف سلطة "الحكم العضوض" وسلطة المخاتلة التي عاثت ظلما، وارتكبت إثما، وكرست عن عمدٍ وقصدٍ مظاهر العنف وكراهية الآخر..
شجاعة الموقف الحسيني تأصيل لثقافة الايمان بالرسالة، وبالمبدأ القويم الذي جعله الإمام الحسين عنوانا لتاريخه، ونبراسا لسيرته في البناء الرسالي والفكري، وفي الدفاع عن معالي الأعمال وقيم العدل، وفي المواجهة الشامخة للسلطة الغاشمة، ولطبيعة خطابها الذي تكرّس على أوهام خطابها، وعلى نزقها، وهوسها بتفريغ الرسالة من قيمها الاخلاقية الكبرى، ومن عمقها في بناء الانسان، وفي غرس قيم التوادد والتراحم بين جنبيه، وفي علاقته مع الاخرين.
الحاجة الى الشجاعة الثقافية، هي ما نبغيه اليوم، ونحن نواجه جملة من التحديات الكبرى، بدءا من تحدي بناء الدولة ومؤسساتها، وتحدي الارهاب والفساد وظلامية الأفكار، ومن منطلق أن تكون هذه الشجاعة فعلا اخلاقيا ووطنيا وقيميا يتأصل عبر شجاعة الموقف، وعبر المواجهة التي تنهل من سيرة الإمام الحسين معانيها الكبيرة، وتتصل بها عبر وشائج عظيمة الدلالة، فالناس إذ تنهل منها معاني الصبر والجلد والايمان والثقة، فإننا نستحضرها اليوم لتكون دليلنا، وأفقنا لحياة تحتاج الى البذل والعطاء، والى تحمل مسؤولية الامل، والى تعظيم معاني العمل والحوار والتعاضد والتشارك، مثلما تتسع لتكون مسارا يتسع لمواجهة جرائم الارهابيين والفاسدين، وكل الذين يهددون الأمن والسلام وحق الناس في الحياة الحرة الكريمة..