رحلت بسبب مضاعفات فيروس كورونا أمينة مكتبة البصرة.. المرأة التي حفظت 30 ألف كتاب

ثقافة 2021/08/16
...

 البصرة: صفاء ذياب
 
رحلت يوم الجمعة الماضية أشهر أمينة مكتبة في مدينة البصرة جراء إصابتها بفيروس كورونا، المرأة التي تمكنت بجهود فردية من الحفاظ على 30 ألف كتاب ومخطوطة بعد دخول القوات البريطانية للمدينة في العام 2003.
إنها عالية محمد باقر، التي تبدأ حكايتها في شهر نيسان من العام 2003 بعد غزو العراق من قبل قوّات التحالف، ودخول القوات البريطانية إلى مدينة البصرة، وبإثر هذا الغزو، خشيت أمينة البصرة من سرقة الكتب أو تلفها جرّاء أعمال العنف التي شهدتها المدينة في تلك الفترة، فقررت حينها أن تنقل المكتبة والمخطوطات النادرة إلى منزلها على شكل دفعات، ففي كل ليلة، تأخذ عالية سرّاً إلى منزلها عدداً ممكناً من كتب المكتبة، وهو ما تتسع لها سيارتها، وبعد أن اشتد القصف داخل المدينة، وتضررت المباني وبدأت الحرائق طلبت عالية المساعدة من الأصدقاء وجيران المكتبة لحفظ الكتب.
وبحسب رواية المقربين من شهود الواقعة، فقد تمكّنت أمينة المكتبة بمساعدة أنيس محمد صاحب المطعم المجاور للمكتبة وإخوانه وغيرهم، من نقل آلاف الكتب عابرين الجدار الذي يبلغ ارتفاعه سبعة أقدام الذي يفصل بين المكتبة والمطعم، وتم تمريرها فوق الحائط وإخفائها في المطعم، بعد ذلك بوقت قصير، دمّرت المكتبة بنيران مجهولة المصدر، وهو ما كانت عالية تخاف منه، غير أنَّ جهودها، وجهود الأصدقاء وجيران المكتبة، تم حفظ 30.000 كتاب كانت ضمن ممتلكات مكتبة البصرة المركزية.
وفي حديث لها مع إحدى الوكالات الإخبارية حينها، تقول عالية "لم يكن يدفعني إلى تلك المهمة اعتبارات وظيفية، بل كانت تدفعني إنسانيتي وتعليمي ومجتمعي وأخلاقي للحفاظ على الكتب من الضياع". وتضيف في حديثها "بعد أن تحوّلت المكتبة إلى ثكنة عسكرية يشغلها محافظ البصرة خلال حرب 2003، طلبت منه نقل الكتب، لكنه رفض الطلب، وخوفاً من تعرّضها للقصف اتفقت سرّاً مع الموظفين على نقلها إلى منازلنا، ومع دخول قوات الاحتلال إلى المدينة تعرّضت المكتبة لسرقة الأثاث والأجهزة". وتأسف عالية إلى الدور المخجل التي قامت به الحكومة المحلية حينها، "إذ لم أجد الدعم والاهتمام باستثناء بعض الكتابات في الصحف ونشاطات المنظمات المدنية"، مشيرة إلى أنَّ "المسؤولين الحكوميين وعدوا بإقامة نصب يجسّد هذا العمل، وإعادة طباعة نسخ الكتب التي صدرت وترجمت للعربية، لكنهم لم يفعلوا أي شيء".
 
احتفاء عالمي بأمينة المكتبة
في تلك اللحظات التي قامت فيها عالية بنقل الكتب، كانت هناك صحفية أميركية اسمها شيلا ديوان تراقـب حمـلات إخلاء الكتـب والمراجـع- بحسب ما نقل موقع واحة المرأة- وتسـجّل تحـرّكات هـذه المـرأة البصراويـة  حتـى بيتهـا، لاحقتهـا سـرّاً وشـاهدت الكتـب مكدّسـة في كل مـكان من منزلها، على الأسـرّة، وفـي الخزائـن والشـبابيك والطـاولات وفـوق الأرض.. أبهرهـا المشـهد بحسب ما نقل عن مشـاهداتها، وأعجبت بحرص (عالية) علـى حمايـة التـراث الفكـري والثقافـي والعلمي لمدينتهـا، التي نهشـتها غربـان الشـر، فكتبـت مقالـة عـن تضحياتهـا، نشـرتها جريـدة (نيويـورك تايمـز) بعددها الصادر في السـابع والعشـرين مـن تمـوز  العـام 2003.
 
 
 
كتاب عن أمينة المكتبة
نقلت وكالات الإعلام والصحف الأميركية مقالة ديوان عن أمينة المكتبة، غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا، بل قـرأت الكاتبـة الأميركيـة (جانيـت ونتـر) مـا كتبتـه الصحفية فحفّزهـا لكتابـة واحـدة مـن أروع قصـص الأطفال باللغـة الانجليزيـة، حملـت عنـوان (أمينـة مكتبـة البصـرة) نشـرتها، وفـازت بالجائـزة الأولـى بمؤسسة (هاركـورت) العـام 2005 كأفضـل قصـة أميركيـة للأطفـال، ثـم ترجمت فـي العـام التالـي إلـى اللغـة الإيطاليـة لتنـال أعلـى الجوائز في مهرجـان يقـام فـي مدينـة (بارمـا)، وما زال يُقرأ هذا الكتاب في مختلف أنحاء العالم، وترجم إلى الفرنسية والإسبانية والروسية واليابانية، وتم تحويله إلى مسرحيات عالمية للأطفال تعرض منذ بضعة سنوات بلغات عدة.
وبسبب هذه المقالات والكتاب الذي صدر عنها، حصدت عالية محمد باقر  عددا من الجوائر والتقديرات، منها: قائمة كتب الأطفال البارزة لعام 2006، المقدمة من جمعية خدمة المكتبات للأطفال (ALSC) التابعة لجمعية المكتبات الأميركية (ALA)، جوائز الشرق الأوسط للكتاب 2005، من مجلس التواصل بالشرق الأوسط (MEOC)، جائزة Flora Stieglitz Straus  للكتاب الواقعي، كلية التعليم في بانك ستريت، كتاب تجاري بارز للأطفال في مجال الدراسات الاجتماعية، NCSS / CBC.
 
حياة حافلة
ولدت عالية محمد باقر بن كاظم الخفاجي في مدينة المعقل بالبصرة عام 1952، وأكملت دراستها الأولية في مدرسة الميناء الابتدائية المختلطة، ثم الدراسة المتوسطة والثانوية في متوسطة المعقل، وثانوية المعقل للبنات، وبعدها التحقت بالجامعة المستنصرية في بغداد، وحصلت على شهادة بكالوريوس في علوم
المكتبات.
وكان والدها محمد باقر يعمل موظفاً في دائرة الموانئ العراقية، وتسكن أسرتها في شارع الأثل بالمعقل، ويرجع نسبها إلى قبيلة خفاجة من المراونة (آل عصيدة)، ولقد عملت عالية بعد تخرجها في عام 1975 في مكتبة الموانئ العراقية، وظلّت على ملاكها حتى عام 1983، ثم انتقلت إلى محافظة ذي قار للعمل فيها كأمينة لمكتبة مدينة الرفاعي، ثم عادت ثانية إلى البصرة عام 1989 لتعمل كأمينة لمكتبتها المركزية على ملاك وزارة الحكم المحلي، وظلت في منصبها هذا حتى عام 1994، ثم ارتقت السلم الإداري لتصبح المديرة العامة لمكتبات البصرة حتى خروجها على التقاعد.
نجحت بجهودها الشخصية في تأسيس مكتبة الطفل، وقطعت شوطاً كبيراً في حفظ المخطوطات، وخصصت جناحاً منفرداً للكتب والمؤلفات التي حملت لمسات أدباء البصرة وعلمائها، وكان في نيتها تأسيس مكتبة شاملة لتراث البصرة وتأريخها السياسي والتجاري والملاحي والزراعي والفني والأدبي.