سؤال أناييس نن العفوي

ثقافة 2021/08/16
...

ابتهال بليبل 
ثمة سؤال مهم تطرحه (أناييس نن) بعفوية صادمة كعادتها دائما: (ماذا عن الكمال المتعلق بكتابة إيروتيكا من أجل المال؟) سؤال صغير بحروف كبيرة نجده في مقدمة كتابها الشهير (دلتا فينوس) تلمح فيه لتقليد في الكتابة دأبت عليه في الأربعينيات من القرن الماضي، ألا وهو (كتابة إيروتيكا بسعر دولار للصفحة الواحدة). أي بعد سنوات من حرصها على تدوين يومياتها ومذكراتها المثيرة للجدل كما كل ارثها الثقافي الغزير.
ومن الصعوبة بمكان ألاّ نجيب كمتلقيات أو قارئات عن سؤالها هذا، سواء بالرفض أو القبول تجاه تفاصيل هذا الفعل المعرفي لأنه متشابك مع أحداث بعض منها واقعية والآخر من نسج الخيال، في وقت كان كتاب من الدرجة الثانية قد اعتمدوا على كتابة مدونات جنسية بعيدة عن الشعر - بحسب نن- لأنهم يحيون في فقر مدقع أمثال (هارفي بريت، روبرت دنكان، جورج باركر، كاريسا كروسبي وغيرهم).
إنّ عمق الأفكار التي طرحتها نن (1903 - 1977) في كتاباتها الايروتيكية ليس في تعميم الصراع بين المتلقي والكاتبة- إنه صراع الذكورة والأنوثة- بل في ربطها بالوعي كممارسة طبيعية يراعاها الرجل، إذ يتم قمع رغبات النساء (الجنسية وغير الجنسية).. هذه الأفكار بدت مقبولة لدى النسويات بداية، ولكن مع الوقت صار وجود نن كأيقونة نسوية غير محبذ، اعتراضاً على تعريفاتها عبر كتاباتها في أن (الأنوثة تعتمد على الصور النمطية الذكورية).
وما يشغلني هنا ليس كيف استقرت تعريفاتها عن الأنوثة، ولكن كيف يمكن أن ندرك أن الكتابة النسائية الموسومة بحرية الرجل الإيروتيكية تنطوي أيضا على مخاوف جنسانية وشعور عميق بالضعف. كيف يمكن أن نراها توتراً ذاتياً يفتقد خبرة الانفصال عن الوجود؟.
فأحياناً أشعر أن المثالية في الواقع المعاش هي غير صائبة وتسبّب مزيداً من اللامبالاة تجاه ما تعنيه حقيقة الفرق بين ذات وأخرى، خاصة عندما تقابل تلك المثالية هكذا كاتبات بإدانة اخلاقية أو اتهامات لاذعة وقاسية في الإباحية والشعور بالنقص.
ربما لهذا أيضاً احتاجت نن أن تذكر في عام 1976 عن يومياتها (في اعتقادي أن اسلوبي مستمد من قراءاتي لأعمال الرجال. لهذا السبب شعرت طويلا انني سوّيتُ ذاتي الانثوية. نحيت الايروتيكا جانباً. أعدت قراءتها طوال السنوات الأخيرة، أرى أن صوتي الخاص لم يقمع كلياً. في فقرات عديدة استخدمت بصورة بدهية لغة امرأة. ناظرة إلى التجربة الجنسية من وجهة نظر امرأة. قررت أخيراً أن أطلق سراح الايروتيكا للنشر لأنها تكشف الجهود الابتدائية لامرأة في عالم كان ملكاً للرجال). 
في كلّ الأحوال علينا أن ندرك بأن من بيننا من يحمل ذاتاً متصلة مع العالم وتحاول تنميط علاقته بجسده بوجود الآخرين، بينما يميل غيرنا إلى الانفصال ذاتياً لقول وكتابة كل ما هو غير متوقع.
كما أن سؤال نن العفوي يمكن أن يخبرنا أيضا عن قيمة مضافة في الأعمال الأدبية ذات الطبيعة المحاورة، التي لا تقف أسئلتها عن الرجوع دائما ومع كل قراءة جديدة بحيث تشكّل دائما علاقة مع راهن الحراك المعرفي، ومن ثمّ تبقى مؤثرة ولا تتأرشف في زوايا النسيان.