حينما تتغير البوصلة وتتبدل الستراتيجيات

آراء 2021/08/20
...

 رزاق عداي
في الصفحة الاولى من كتاب «النظام العالمي» لوزير الخارجية الاميركي الاسبق «هنري كيسنجر» يذكر، بوصفي اكاديميا في عام 1961 زرت الرئيس الاميركي «هاري ترومان»، حين وجدتني بمدينة كنساس محاضرا، وعلى سؤال، ما كان السبب الاول لاعتزازه برئاسته، اجاب ترومان قائلا، ألحقنا هزيمة كاملة باعدائنا اعدناهم الى اسرة الامم،
يطيب لي ان اعتقد ان اميركا وحدها كان من شانها ان تفعل هذا، واعياَ بقوة اميركا الهائلة، بقيمها الانسانية والديمقراطية، اراد ترومان ان يتم تذكره بالارتباط مع مصالح اميركا اكثر من الانتساب الى انتصاراتها، في هذه الايام التي شهدت انسحاب القوات الايركية، وبالمقارنة مع تصور ترومان، نجد ان الرئيس الاميركي «بايدن» ووزير خارجيته «بلنكن» يتطابقان ويتفقان بالتصريح بان اميركا حققت اهدافها في افغانستان، وبات الانسحاب ضروريا، ربما ارادا القول ان هذا الانسحاب مرتبط مع مصالح اميركا، كما قال ترومان، اكثر من الانتساب الى انتصاراتها، وبعد عقد من زمان ذلك التاريخ الذي زار فيه كسنجر هاري ترومان اعتقد الاميركان ان الحرب في الفيتنام وان كان بصيغة الهزيمة، ولكنها كانت ضرورية جدا لتلقين بعض شعوب شرق اسيا جراء انخراطها بالايديولوجية الشيوعية، فغالبا ما تكون الستراتيجيات الاميركية تصمم على اساس انها قوة كونية محورية، ففي الحرب العالمية الثانية كان هدفها السيطرة على المحيط الهادئ في صراعها مع اليابان، ثم بعد تلك الحرب، كانت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، وبعد احداث 11ايلول 2001 كان العالم اكثر تعقيدا، وبرزت قضية الحرب على الارهاب، كتخريجات فكرية - ايديولوجية، وتدابير اجرائية تمثلت في احتلال افغانستان والعراق، في مكافحة الارهاب ونشر الديمقراطية، بعيدا عن كل النظريات او التخريجات اليوم، كون اميركا قد بدلت بوصلة ستراتيجيات تحالفاتها نتيجة لصراعها المتنامي مع الصين، وبالنتائج الملموسة والميدانية نستنتج ان المشروع الاميركي في مواجهة الارهاب، ونشر الديمقراطية، اثبت فشله المطلق في حدود التجربة الافغانية على الاقل، فيعد عشرين عاما من الاحتلال، انسحبت اميركا، وها هي طالبان تقدمت بسرعة، والولايات الافغانية تتساقط امامها كقطع الدومينو، في ظل انهيار وتداعي للقوات الامنية الافغانية، وتمكنت قوات طالبان من دخول كابل والسيطرة على القصر الرئاسي، وعادت الدائرة لتلتئم بعد عشرين عاما من خروجها منه.
 وبهذا تكون كل التنظيرات والتخريجات التي انتجتها مراكز الدراسات والبحوث الاميركية والغربية حول الارهاب وجذوره في منطقة الشرق الاوسط وربطه بالاسلام والتخلف الثقافي والاقتصادي، اصبحت موضع شك وتتطلب مراجعات جديدة ، تاخذ بعين الاعتبار مدى التقدم الحاصل في تكريس الديمقراطية، واجتثاث الارهاب، خلال الاحتلال الاميركي الطويل لافغانسان والقرارات المفاجئة الاخيرة في الانسحاب منها.