حيان العائش.. الدائم الحياة

ثقافة 2021/08/21
...

 صلاح حسن الموسوي
 
قال أبو حيان التوحيدي، سألني الوزير البويهي الصاحب بن عباد: يا أبا حيان، من كنَّاك أبا حيان؟، قلت: أَجل الناس في زمانه، وأكرمهم في وقته، وقال: ومن هو ويلك؟. قلت: أنت، قال: ومتى كان ذلك؟، قلت حين قلت يا أبا حيان من كنّاك أبا حيان. فسكت الوزير على كراهة وغضب مكتوم من إجابة التوحيدي، فالسؤال يشي بالغمز والاستكثار من قبل الوزير للشخص المكنى بهذه الكنية، فمعنى (حيان) هو (العائش) او (الدائم الحياة). وبالفعل أبو حيان التوحيدي عمّر طويلا  وتجاوز عمره التسعين عاما، واسمه الحقيقي علي بن محمد بن العباس التوحيدي، سمّاه ياقوت الحموي بأديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، كان معتدا بنفسه وغزيرا في نتاجه، شاكس كبار قومه وجنى عداوتهم، ألّف كتابا في ذم الوزراء سمّاه (مثالب الوزيرين) ويقصد الصاحب بن عباد والوزير بن العميد، أحرق كتبه في نهاية عمره احتجاجا على ما لاقاه من فقر وإهمال، قال اكثر من باحث عربي وأجنبي إنه أول من بدأ كتابة قصص ألف ليلة وليلة باللغة العربية، وله كتب تعد من جواهر التراث العربي ككتاب (الإمتاع والمؤانسة) و(المقابسات) و(الهوامل والشوامل).
ومن مشاهير المعمرين الشاعر المخضرم المعروف بالنابغة الجعدي، إذ قيل في بعض الروايات ان اسمه حيان بن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس بن ربيعة بن جعدة، الذي عاصر الجاهلية والإسلام، واشتهرت قصائده بتضمين اقوال الحكمة وله قصيدة شهيرة في مدح النبي محمد (ص)، وقد قيل انه تجاوز في العمر الـ 120 عاما، إذ يقول:
 لبِستُ أُناساً فأفنيتُهم ... وأفنيتُ بعد أناسٍ أناسَا
ثلاثة أَهلِينَ أفنيتُهم ... وكان الإِله هُوَ المُسْتآسَا
ومن مشاهير المعمرين في تاريخ العلوم العربية، أثير الدين محمد بن يوسف، المعروف بأبي حيان الغرناطي إمام عصره في النحو والتفسير والحديث، وصاحب البحر المحيط في التفسير، الذي يعد قمة التفاسير التي عنيت بالنحو، وتوسعت في الإعراب ورواية القراءات وتوجيهها والاحتجاج لها والدفاع عنها، طالت الحياة بأبي حيان الغرناطي فتجاوز التسعين، قضاها متنقلاً من أرض إلى أرض، كما عاش متنقلاً بين العلوم من فن إلى آخر، واشتهر عنه إجادة اللغات التركية والفارسية والحبشية والتأليف بها.
من أبيات الشعر العربي الشهيرة بيت الشاعر أعشى قيس (شتان مايومي على كورها   ويوم حيان أخي جابر)، وهو مستقى من المثل العربي (أنعم من حيان أخي جابر)، وحيان كان شخصا في الجاهلية عرف بالحياة المرفهة، وهنا الشاعر يقارن بين يوم معاناته وبطولاته على ظهر الناقة، ويوم منافسيه السادرين الراكنين الى الراحة والدعة، وقد تمثل الإمام علي بن ابي طالب هذا البيت الشعري في خطبته المعروفة بـ (الشقشقية) التي أفصح من خلالها عن أحقيته بالخلافة.
لا نقول بالإطلاق من خلال سوقنا أمثلة لشخصيات شهيرة في التاريخ العربي ارتبط فيها اسم حيان التي تعني العائش او الدائم الحياة، مع حقيقة الأعمار الطويلة التي استهلكوها في الدنيا، ولكن إشكالية الاسم والمسمى نالت اهتماما واسعا في العلوم العربية الدينية وغير الدينية، وكذلك في الدراسات اللغوية الأجنبية القديمة والحديثة، إذ خيضت دراسات معمقة في سيرورة الاسم والمسمى، كيف يكون الاسم غير المسمى، وكيف يكون الاسم هو المسمى، وكيف يكون الاسم هو التسمية، كيف يكون الشيء الواحد مسمى من جهة. وتسمية من جهة أخرى.