لقد كان مجرد طاعون

ثقافة 2021/08/22
...

   كامل عويد العامري
هذا النص يعود تاريخه إلى عام 1988، تتحدث فيه الكاتبة عما يمكن أن يحدث عندما يندلع وباء في قلب نظام شمولي. تم اكتشاف هذا النص غير المنشور في روسيا في ربيع عام 2020، وهو مليء بالفكاهة والإنسانية، ولا سيما في السياق العالمي لوباء فيروس كورونا. ترجمته الى الفرنسية صوفي بينيتش، وصدر عن غاليمارد، بتاريخ النشر: 29 - 04 - 2021.
روسيا، شتاء عام 1939. المدينة مدفونة تحت الجليد، لقد اجتاحتها عاصفة ثلجية. قطع عالم الأحياء رودولف ماير أكثر من ثمانمئة كيلومتر لتقديم بحثه إلى السلطات حول سلالة شديدة الضراوة من الطاعون. فعمل بمفرده، ليلاً، على اجراء التجارب في المختبر لدراسة الطاعون ثم كان يتعين عليه الذهاب إلى موسكو لحضور مؤتمر، بعد هذا الاجتماع أدرك فجأة أنه كان مصابا، وأن كل من مر به يمكن أن يكون مصابًا أيضًا، وفي مستشفى سانت كاترين، تم التكتم على التشخيص الذي كان يشير إلى الطاعون الرئوي. فنظمت الأجهزة الأمنية مكافحة الوباء بالكمامات والبدلات الواقية وعزل المخالطين. إذ يأتي رجال الأمن ليلا إلى منازل الأشخاص الذين التقوا بماير في القطار أو في الفندق أو في المؤتمر، فيقبضون عليهم، ويودعونهم في الحجر الصحي في المستشفى. 
قالت زوجة الطبيب المحلي بارتياح عندما عاد زوجها: (إنه كان مجرد طاعون. كان ذلك فقط).
من الواضح، أن هذه اللحظة الغريبة التي وصفتها بأنها الطاعون (بالمعنى الصحيح) في زمن الطاعون (بالمعنى المجازي: الإرهاب الستاليني). من وجهة نظرها، توفر غذاءً للفكر حول التفاعل بين قوة الطبيعة وسلطة الدولة، حتى في ما يتعلق بتعريف القوة السياسية: (السلطة- كما تقول أوليتسكايا- يمكن أن تكون أكثر أو أقل قسوة، لكنها تقوم دائمًا على أساس قمع حرية الفرد من أجل مصلحة المجتمع، وهو خير ما تفهمه السلطة نفسها أحيانًا بطريقة اعتباطية للغاية). لكنها كانت تلك هي المرة الوحيدة التي تدخلت فيها أجهزة أمن الدولة في التاريخ السوفيتي، من أجل مصلحة الشعب.
إن وصف الاعتقالات التي نفذت في أقصى درجات السرية، لتجنب أي حركة ذعر، وسوء فهم يبدو شبه محاكاة ساخرة للإرهاب
الكبير عام 1937.
فالكاتبة تصف (الطاعون في زمن الطاعون). فقد حدث الوباء في وقت كانت فيه الاعتقالات الجماعية التي أمر بها ستالين مستمرة، وكان الخوف من الاختفاء ورعب الاعتقالات والإعدامات واضحًا في جميع أنحاء النص. المؤلفة، مثل كامو، تصف وباءً مزدوجًا، وباء الشمولية لن يُهزم قريبًا.
وقد يندهش القارئ الذي يعرف منطق “عملية IPD”(العدوى الخطيرة على وجه الخصوص) أمام ردود فعل الذعر لأولئك الذين أدركوا لاحقًا، أن هذه المرة كانت مجرد حجر صحي.
إن النص ملخص للمسارات الاجتماعية والمصائر البشرية في العصر الستاليني، والتي رسم لها المؤرخ أورلاندو فيجيس صورة مذهلة في  كتابة
(الهامسون 2009): من بين الشخصيات، كانت تلك المرأة الستالينية المتحمسة التي تؤيد عمليات التطهير حيث ينتهي بها الأمر، بعد اعتقال زوجها، بالكشف لـ NKVD أنه أخفى طوال حياته أنه ولد في عائلة من الكولاك، وهناك الطبيب الذي كتب رسالة إلى ستالين، وهو يعلم بإدانته بالمرض، يطلب منه فحص ملف شقيقه الذي اعتقل في عام 1937 من دون سبب، وهناك مربي الأوز الذي يجري التجارب ويظل مقتنعًا تمامًا بأن الكون بأكمله تحكمه قوانين الماركسية اللينينية، وأستاذ الطب وزوجته، اللذان يلمحان خفية إلى تفوق التعليم الذي تلقياه في أوروبا. تتضمن القصة (نحو ثلاثين رسالة، تتصدرها رسالة لـ (شخصية عالية المستوى) بلكنة جورجية، وضع اسمه بين قوسين على
أنه (بيريا).
يمكننا تلخيص القصة الأقرب إلى الرواية أو الرواية القصيرة، على النحو الآتي: إنها قصة أزمة صحية في عهد ستالين: يصبح عالم الأحياء رودولف ماير، الباحث عن لقاح ضد الطاعون، وعن طريق الخطأ المريض صفر بوباء طاعون جديد، وهو مرض ذو معدل فتك مرتفع للغاية. بفضل أجهزة الأمن التي فضلت التحدث عن (إنفلونزا) بسيطة لتجنب الذعر، ويتم الحجر الصحي على جميع حالات الاتصال والاحتفال بالانتصار على الفيروس بأغنية وطنية مليئة بالحيوية. 
كان الوصف موحيا للغاية: مشاهد معينة من حياة موسكو كما لو كانت مرسومة. وطوابير أمام مكتب السجن أو بعيدًا حول النار، رجال يرتدون بدلات في حديقة المستشفى الثلجية. إن الإيجاز ومبدأ الكفاءة السردية وهو نوع من السيناريو يتناسبان مع اوليتسكايا، التي ستعمل بعد بضع سنوات ككاتبة سيناريو في العديد من 
الأفلام.