مئة عام من المحنة

ثقافة 2021/08/25
...

د. أحمد الزبيدي 
 
تسعى وزارة الثقافة عبر دار الشؤون الثقافية العامة إلى تقديم قراءة تتوزع ما بين النقد المؤرشف والمراجعة الببلوغرافية لمئة عام من المنجز الثقافي العراقي، الذي أنتج مع تشكلات الدولة العراقية منذ جلبابها الملكي حتى تحولاتها الثورية أو الانقلابية والعسكرية: بنيران داخلية أو خارجية!، ولا شك في أنها محاولة احتفائية تلتفت في الأعم الأغلب إلى المنجز الأدبي كونه المهيمن على الثقافة العراقية المعاصرة والحديثة: سرد وشعر ومسرح ونقد وتشكيل.. وهي محاولة لا تخلو من مغامرة وهي تنظر إلى مراحل مختلفة متخمة بالتنوع الإيديولوجي غير المتصالح مع بعضه على طول مديات الدولة العراقية. ولربما تحاول الوزارة تقديم هذه المراجعات الاحتفائية في سنتنا الحالية وحسب علمي أن كتابًا كبارًا شاركوا في هذا المشروع الكبير حسب اختصاصاتهم واهتماماتهم النقدية والمعرفية ولعل بعضها -الآن- قيد الطبع والتنضيد وبعضها قيد التأليف.. 
وهنا يدور في ذهني تساؤل حول ما سيقدمه المغامرون من قراءة لمراحل أدبية لما تنفك من أطرها السياسية والإيديولوجية، لا سيما أننا مازلنا نتجادل حول طبيعة تلك التحولات وشرعيتها، وما تركته من آثار سلبية عند قوم وإيجابية عند قوم آخرين.. ولعل القارئ يشاركني الرأي أن الناقد الأدبي أصبح مشاركًا في إعادة القراءة الثقافية للمرجعيات السياسية التي شهدتها الدولة العراقية، فالناقد ليس معذورًا عن عدم تقديم رؤيته الخاصة حول المفاضلة ما بين العهدين: الملكي والجمهوري، وهو غير مبرئ للذمة في تقديم رؤيته عن المرحلة الستينية وما شهدته من تناحرات إيديولوجية: شيوعية وقومية وبعثية وإسلامية... فهل سنكتفي بأرشفة الرواية وذكر جلال خالد؟، وهل سيضيف الناقد لنا شيئا جديدًا حول نخلة غائب طعمة فرمان وجيرانها، وإنها تمثل الرواية الحديثة من خلال تعدد أصواتها؟، هل سيضيف الناقد لنا شيئا جديدًا لو أنبأنا أن السيَّاب هو من سبق نازك أو نازك هي من سبقته؟، هل سيخبرنا النقاد عن مظلومية بلند الحيدري وتغافلهم عن محمود البريكان الذي آثر العزلتين: الاجتماعية والشعرية؟، 
أظنها مغامرة صعبة أمام الكتاب في ظل تناحر إيديولوجي ومحن متنوعة ذات مراحل زمنية متجاورة وقصيرة وفي ظل تهافت سياسي وتردي ثقافي اقترن بالمجاورة السياسية التي ما انفكّت عن ملاحقة الأدب والاتّكاء عليه في ترويجها الإعلامي الذي ابتلى بدائه كبار الشعراء والأدباء.. وبخاصة أن تلك البلوى قد أصبحت رصاصة جاهزة أمام ثقافة التسقيط المباشر والاتهامات الجاهزة ذات الدليل المادي على الخذلان والثأر والاضغان.. إذن هي محنة ملقاة على عاتق النقد بل هي أشد المحن النقدية..