إسرائيل تقرصن مال الفلسطينيين

آراء 2019/02/25
...

حازم مبيضين
تأتي محاولة دولة الاحتلال لتقويض السلطة الفلسطينية سياسياً، من خلال قرارها اقتطاع رواتب أسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين، بمثابة قرصنة لأموال الشعب الفلسطيني، ما دفع الرئاسة الفلسطينية للتلويح باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، باعتبار أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد جزئياً على رواتب هؤلاء، وأنه سينجم عن القرار ركود اقتصادي. وسيخلق أزمة اقتصادية وسياسية جديدة على الساحة الفلسطينية، ولأن القرار يصب في مصلحة نتنياهو ويستهدف كسب أكبر عدد من أصوات الناخبين في الانتخابات 
القادمة.
في حيثيات قرار حكومة نتنياهو أنه سيتم خصم المبلغ مما تحتجزه حكومته كعائدات ضرائب على البضائع الموردة عبر إسرائيل وموانئها إلى الجانب الفلسطيني. فيما يقضي اتفاق بين الجانبين بتحويل هذه العائدات كاملة إلى الجانب الفلسطيني، لكن حكومة نتنياهو قررت أن تقتطع منها نحو 140 مليون دولار. وذلك تعدٍّ يقع في إطار مخطط هدفه تدمير السلطة الفلسطينية وسلب قدرتها على الاستمرار في تقديم الخدمات والوفاء بالتزاماتها. مع أن المخصصات التي تدفعها السلطة إلى عائلات الأسرى والشهداء ليست هبة أو منحة، وإنما هي جزء لا يتجزأ من عقد اجتماع بين الدولة ومواطنيها ومكون أساسي في منظومة التكافل والحماية الاجتماعية، وقد شدد الرئيس محمود عباس على أن القيادة الفلسطينية لن تكون إلا مع الأسرى والشهداء وعائلاتهم. لأن خصم هذا المبلغ يشكل سرقة وجريمة بمقاييس دولية، وانتهاكاً للاتفاقات المرحلية الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ عام 1995. 
نحن هنا بمواجهة قرصنة تضاف إلى جرائم الاحتلال. وبمواجهة قرار يمثل اختراقا لاتفاق باريس الاقتصادي الذي ينص على لأنه ليس من حق إسرائيل اقتطاع أي مبلغ من أموال المقاصة، وهذا نص صريح في الاتفاق المعتبر البروتوكول الاقتصادي لاتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 ، حيث تعتبر السلطة الفلسطينية أن رواتب الأسرى والشهداء مسؤولية وطنية، ولن يتم وقف صرفها بأي حال من الأحوال. وهي شكل من أشكال الضمان الاجتماعي للأسر التي فقدت معيلها الرئيسي وتنفي أي علاقة لها بأي عنف. ما يستدعي اللجوء إلى رزمة إجراءات ستتخذها السلطة لمواجهة الاقتطاع المستجد، ومن بينها اللجوء إلى التقشف في قطاعات محددة.
بديهي أن القرار الإسرائيلي لن يثني القيادة والشعب الفلسطيني عن مواصلة الصمود والنضال ورفض الخضوع والابتزاز، باعتباره استمرار للقرصنة الإسرائيلية وسرقة لأموال الشعب الفلسطيني ونهب موارده، وممارسة لسياسة السطو والبلطجة الرسمية والمعلنة على موارد وأموال الشعب الفلسطيني باعتبارها نهجا وعقيدة إسرائيلية في التعاطي مع حقوقه، وهو يمثل مخالفة واضحة وخرقاً فاضحاً لالتزامات الاحتلال وفق الاتفاقيات الموقعة، وإخلالاً سافراً بكل مبادئ القانون الدولي وقانون المعاهدات، في استخفاف واضح بالمنظومة القيمية والقانونية الدولية، ويؤكد من جديد على عنجهية الاحتلال وممارساته العنصرية وتنصله من جميع الالتزامات والمواثيق الدولية، ما يتطلب وقفة دولية جادة من هيئات الأمم المتحدة المعنية للتصدي لهذا العدوان الإسرائيلي الجديد، وإلى ضرورة تحمّل مسؤولياتها ووضع حد لجرائم الاحتلال ومحاسبته وإنهاء احتلاله، وسطوه على الموارد والأموال 
الفلسطينية.
نعرف أن ورقة المال واحدة من أوراق نتنياهو للضغط على السلطة الفلسطينية وإرغامها على قبول ما لا تقبل به، وبالمقابل فإن ورقة التنسيق الأمني، هي الورقة الأهم عند الفلسطينيين للرد على صلف نتنياهو ووقاحته، ما يستدعي وقف كافة أشكال التنسيق والتعاون مع سلطات الاحتلال، وليكن القرار موقفاً معلناً، يترافق مع إعلان النفير العام في صفوف فتح والمنظمة ومؤسسات السلطة، لمواجهة تحدياتما بعد الوقف، وهي بالتأكيد ليست قليلة، غير أنه لايصح أن يمر قرار نتنياهو مرور الكرام، فمعركة الدفاع عن حقوق ومكانة الشهداء والأسرى، هي عنوان معركة التحرر الوطني العام.
أمّا إن كانت نية نتنياهو تتجه لإطاحة السلطة وتفكيكها، فإن معركة الأسرى والشهداء، يجب أن تكون أول مواجهة ميدانية جدية بين السلطة والاحتلال، وليأتي القرار بحل السلطة من الجانب الإسرائيلي، ولتكن مناسبة لاستنهاض هبّة شعبية سلمية، عنوانها وشعارها الأسرى والشهداء، ولهؤلاء مكانة مرموقة، تلامس القداسة، عند الفلسطينيين وليدفع نتنياهو في نيسان المقبل، ثمن قراراته الرعناء واستخفافه بمشاعر الفلسطينيين وذاكرتهم وإرثهم 
ومستقبلهم.
وبعد، فهذا تحدٍ كبيرمن نتنياهو واليمين المتطرف في وجوه الفلسطينيين، لكنه أيضاً فرصة نادرة لتحويل هذا التحدي إلى مناسة لكسر قيود أوسلو وأغلاله، ولإطلاق صرخة تحد مجلجلة في وجه صفقة القرن ومشاريع تصفية القضية 
الفلسطينية.