ليس دفاعاً عن أحد

آراء 2021/08/25
...

  د. كريم شغيدل
 
في ثمانينيات القرن المنصرم صنعت أميركا تنظيم القاعدة بمثابة ضد نوعي أمام المد اليساري الشيوعي الأفغاني الذي انقسمت تنظيماته وتضعضعت ركائزه، وكذلك لمحاربة الغزو السوفياتي الذي أعقب تلك الانقسامات، ثم انبثقت حركة طالبان ردة فعل على سلوكيات (القادة الجهاديين) في القاعدة، وفكرياً هي مزيج من التطرف الإسلامي والتقاليد القبلية للبشتون، إذاً فهي ضد نوعي مركب ومثالي(عرقي- مذهبي) بالنسبة للآخرين.
الانسحاب الأميركي الأخير ليس اعتباطياً، ولم يمثل فشلاً للأميركان كما ظن البعض، فهو اتفاق برعاية قطرية، وقد تكون روسيا متوافقة مع هذه الترتيبات، مثلما فعلت مع نظام صدام إبان احتلاله للكويت، إذ كانت تبدو بمثابة الصديق والحليف، لكنها كانت مع أميركا جملة وتفصيلاً في توريط المقبور صدام ومن ثم التخلص منه، والمحور الأساسي في هذه المعادلة هو إيران، فهل تعمدت أميركا تمكين ضد نوعي لإقلاق إيران؟ بعد أن تراجعت القاعدة، وفشلت دول اخرى في أن تلعب هذا الدور؟
قطر التي تبدو صديقاً لإيران تسهم بتمكين طالبان للعودة إلى سدة الحكم وفرض هيمنتها على مقدرات أفغانستان، الأمر الذي يشغل إيران ويقلقها، فما الذي يكمن وراء ذلك؟ وطالبان المدعومة من وكالة المخابرات الباكستانية، منذ تأسيسها، تفتح أذرعها لعدو الأمس، بل إن الصين تبارك عودة طالبان مع علمها أنها ربما ستشكل خطراً عليها بقطع الطريق على مشروعها الستراتيجي الاقتصادي(طريق الحرير) فأفغانستان إحدى نقاط الاتصال القديمة لذلك الطريق، وموقعها الجيوستراتيجي يؤهلها للعب دور مؤثر، إذ تمثل قلب آسيا الوسطى بين إيران وباكستان والصين وثلاث من دول الاتحاد السوفياتي السابق هي: طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان، ومن ثم روسيا عن طريق هذه الدول.
هل ستنجح أميركا من خلال طالبان بتصفية حساباتها مع روسيا والصين وإيران؟ هل ستسهم هذه الخطوة الجريئة التي فوجئ العالم بها بتقوية باكستان ضد إيران بدعم من طالبان، وهل أن العربية السعودية لم تعد ضداً نوعياً أمام إيران بعد الانفتاح الذي حصل في معظم مفاصل الحياة وانحسار الهيمنة المذهبية الوهابية فيها، طالبان ليست أكثر من قوة ترهيب هيأتها أميركا لقلب توازنات المنطقة والضغط على إيران بتوجيه أنظارها خارج دول الخليج بعد فشل المواجهة معها، وهذا ليس دفاعاً عن إيران.