الإنسان ومسؤولية الحمل الثقيل

آراء 2021/08/26
...

   رعد أطياف
 
في ظروف الحياة وتحدياتها الجسيمة يداهمنا اختبار من نوع خاص، وهو كيفية الحفاظ على رباطة الجأش أمام هذه التحديات ذات العيار الثقيل. فرباطة الجأش والانتباه للظواهر بفكر يقظ ليست من الكماليات بل من الضروريات!. إذ بخلاف هذه الضروريات فسيجعلنا إيقاع الحياة المتسارع بتقلّباته المستمرة إلى مجانين.
ثمة علاقة اعتمادية وثيقة بين رباطة الجأش وراحة البال؛ لا تنشأ الأولى إلا بحضور الثانية والعكس صحيح، ذلك إن راحة البال تحتاج إلى رباطة الجأش أمام الظواهر المربكة، فستنتج من هذه القوة النفسية العالية راحة البال. لا أتكلم عن حالات الفتور الذهني والتجاهل واللا أبالية والبرود تجاه معاناة الناس، بل أتكلم بالتحديد عن المحافظة على يقظة الفكر قدر المستطاع لنضمن عبور الأسى ولو بحده الأدنى. 
 أتأمل كثيراً في رياضة رفع الأثقال، ما الذي يجعل شخصاً يتحمل كل هذا العبء الثقيل لدرجة أنه يحمل ضعف وزنه من أثقال الحديد؟!. ثم أتأمل مرة أخرى، لماذا يشعر بالنشوة النفسية والجسدية بعد هذا التمرين الثقيل؟!. يظهر أنه كلما أزداد الحمل، ارتفعت معه قوة المطاولة والاعتياد على التحمل والشعور ببهجة نفسية عالية. إن مواجهة الظواهر بنفسية مماثلة لنفسية رافع الأثقال ترشدنا نحو حكمة رباطة الجأش وتعطينا مثالاً جلياً عن ثمرات المطاولة.
 غير أن النقطة الإشكالية هنا، ليس كل الناس تخلق الاستعداد الكافي لرفع الأثقال، فقوة الجزع تحتل مساحات شاسعة في فكرنا الذي اعتاد على التسويف والمماطلة على حمل هذه الأمانة الثقيلة. على أي حال، نحن المسوّفين والمماطلين، لا يوجد لدينا حل سحري يمنحنا القدرة على المطاولة ورباطة الجأش وراحة البال سوى تجربتنا الخاصة، على ألا تكون هذه الكلمات بديلاً عن المطالبة بالعيش الكريم، فآخر ما نتمناه أن يتحول الترياق إلى سم زعاف، أو مخدر للإلهاء. هي كلمات تعبر عن محاولة التضامن اللا مشروط مع بعضنا لعبور المحنة والتأمل في مغزى هذه الأمانة، فقد جربت معنى أن يكون الإنسان وحيداً ولا يجد الحلول الكافية لعبور محنته، وهو كما الفريسة تمزقه ضباع الأفكار وتنهش أجمل ما فيه، وهي راحة البال بالتأكيد. ولا ننسى، وحده الإنسان من كابد مسؤولية هذا الحمل الثقيل:" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا".