داود سلمان الشويلي
في سبعينيات القرن المنصرف كثرت الدراسات عن التراث الشعبي العراقي، وصلت الى إصدار مجلة شهرية غنية بالمواد التي تعنى به حملت عنوان «التراث الشعبي» والتي راحت تنشر كل ما له علاقة بالتراث الشعبي العراقي والعربي والعالمي. وأذكر أنَّه في تلك الفترة صدر للدكتور رضا القريشي كتاب (الفنون الشعرية غير المعربة) بخمسة أجزاء منها الجزء الأول المخصص للمواليا.
وقد اختلفت تسميات هذا الفن مما دفع دارسيه والمهتمين فيه الى الاختلاف بنشأته، فمنهم من اطلق عليه اسم «مواليا» وهي التسمية القديمة التي تغيرت الى تسمية «موال» ومنهم من أسماه «زهيري»، إلا أنه يبقى واحداً في الشكل والمضمون.
ويأتي كتاب الأستاذ محمد الخالدي المعنون (مباحث في فن الزهيري) ليكمل تلك الدراسات عن هذا الفن الشعري الذي تحول من اللغة العربيَّة الفصحى الدارجة في زمن كتابته الأولى الى اللهجة العامية الدارجة في كل منطقة يقال فيها.
يقول الخالدي في التوطئة لكتابه الصادر عام – 2016: «كلما توغلت عميقاً في هذا البحث اكتشف أشياءً جديدة لم أكن أتوقع أنْ أكتشفها في يومٍ ما, إذ إنَّها كانت غائبة عني كما غابت عن كثير من قبلي. ولم يكن ذلك بمحض المصادفة, وإنما جاء ذلك نتيجة التدقيق والتمحيص الذي كنت أجريه في كل ما أقرأه وأستقصيه من معلومات ترد في هذا المرجع أو ذلك المصدر, إذ كانت وما زالت تراودني كثيرٌ من الشكوك بشأن بعضها, ولهذا لم أكن مطمئناً لها لإحساسي ببعدها الكبير عن الواقع, لذا كنت أشعر بأني ما زلت بحاجة ماسَّة لإعادة النظر في كل الآراء التي كنت قد تبنيتها سابقاً, لا سيما بالمواليا ونشأته, بعد أنْ تبين لي عدم دقتها, لكونها لم تبنَ على رؤية بحثية منهجية أصيلة».
وقد كانت الفنون المعربة في العراق وفي العالم العربي وفي كل الحضارات الإنسانيَّة هي هكذا مثل السراب الذي تشعر أنك قد وصلت الى مصدره ومنبعه إلّا أنك تتيقن أنك قد خدعت. فلا ما توصلت إليه هو اليقين الذي ترتكن إليه، ولا المنبع قد وصلت له.
الزهيري، أو الموال، هو هكذا يقرأ إلّا أنه لم يصل الى المنشأ الأول، والموال الأول الذي قيل، ومن قاله، وفي أي مناسبة قيل، لهذا نرى أنَّ آراء الدارسين كافة تعلن أن النموذج الأول للموال «مواليا» هو:
* ((يا دار أيــن مـلــوك الأرض أيــن الفـرس// أيــن الــذين حموهـــا بالقنا والترس// قالت: تراهم رمما تحت الأراضي الدرس// سـكوتٍ بعـد الفصاحة ألسنتهم خرس)).
إلا أنهم يضعون ذلك في موضع الشك لا اليقين.
إنَّ الاحتمال الذي يضعه المؤلف لتاريخ نشأة المواليا هو: ((إنّ فن الدوبيت كان أسبق تلك الفنون، بل المنطلق لظهورها, إذ إنه بدأ عامياً على أيدي المتصوّفة, وذلك في أواخر القرن الثالث الهجري)), لذا لا نستبعد أنْ يكون فن المواليا امتداداً للدوبيت, أو تقليداً له, لا سيما بعد أنّ «تحوّل الأخير إلى الفصيح, وانتشر في العالم المشرقي كلّه»)).
وهذا احتمال يمكن أنْ يصيبَ أو أنْ يخطئ، إلّا أنَّه يبقى غير معروف النشأة كحال الشعر العربي منذ الجاهلية الى الآن.
وعن المخترع الأول للمواليا بين أهل بغداد وأهل واسط، أو أهل الأنبار، أو أهل الحلة، أو أهل الحويزة، زنوجهم أم مواليهم، فيناقش كل الآراء من دون أنْ يعطي رأيه الخاص رغم ميله لرأي صفي الدين الحلي في كتابه (العاطل الحالي و المرخص الغالي).
وفي المبحث الرابع عشر ينتهي الباحث بعد أنْ يذكر الآراء العديدة عن تسمية «المواليا» أو «الموال» بالزهيري، الى أنه سمي هكذا لأنه: «أولاً: إنّ تسمية الموّال بالزهيري تسمية جديدة حرّفها العراقيون عن الموّال المصري الأصيل الذي يتضمن سحر الفن والمعروف عندهم (بالموّال المزهّر) أو ما يسميه الفلاحون (الأحمر))).
ثانياً: تنحصر هذه التسمية بالموّال السباعي المجنس بالجناس اللفظي التام, ولا تشمل هذه التسمية ما ينظم بالقافية أو بالجناس اللفظي الناقص.
ثالثاً: شاعت هذه التسمية في أواخر العصر العثماني في بغداد أولاً, ثم انتقلت إلى محافظات أخرى كديالى والموصل وصلاح الدين, وكذلك دول الخليج العربي. أما محافظات الفرات الأوسط وجنوبي العراق, فمازالت تطلق لفظة موّال على النظم السباعي المجنس بالجناس اللفظي التام, وهذا خطأ سبق أنْ نبهنا إليه)) ص 124.
وفي المبحث السابع عشر يتساءل الكاتب عن وزن الزهيري ويجيب قائلاً: «ينتمي الزهيري إلى البحر البسيط الذي تكون عروضه: (مستفعلن/ فاعلن / مستفعلن/ فاعلن), ولنظم الزهيري وزنان رئيسان هما:
أولاً: الوزن التمام وتأتي تفاعيله وعروضه كالآتي: (مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن/ فاعلن)
ثانياً: الوزن المقطوع: وتأتي تفاعيله وعروضه كالآتي: (مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن / فعلن). وقد تأتي بهذه الصيغة: مستاعْ لن/ فاعْ لن/ مستفعلن/ فعلان أو: مستاعْ لن/ فاعْ لن/ فاعلاتن/ فعلان)
كما يمكن أنْ ينظم الزهيري بتفاعيل وعروض أخرى منها:
• مستفعلن/ فاعلن / مستفعلن / فاعل، أو: مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن/ فعْ لن. أو: مستاف عل/ فاعلن / مستاف عل/ فعْ لن. أو: مستفعلن/ فاعلن/ مستفعلن/ فعْ لان.
إنَّ كتاب الأستاذ محمد الخالدي (مباحث في فن الزهيري) لبنة أضيفت الى لبنات التراث الشعبي في المكتبة العراقيَّة والعربيَّة، في الوقت الذي يحاول البعض طمس هذا الشعر الى الأبد.