نعيش ويعيش الوطن

آراء 2021/08/28
...

 علي الخفاجي
يعد الوطن جزءاً من تربة التكوين الأولى للإنسان، فهو جزء من الروح والجسد، وهو مركز نشأة الفرد وعالمه ومجمع خلانه وأحبائه. وهو كما يقال أول الضوء وموطن الفرد ومحله والذي من خلاله تبدأ شخصية المواطن بالتكوين، منذ أن نشأ العراق والتضحيات الجسام التي يقدمها أبناؤه لهذا الوطن كثيرة فلا يمر عقد من الزمن إلا وهنالك حرب في هذا الوطن المبتلى، وأبناؤه يتسابقون للذود عن تربته ويقدمون الغالي والنفيس للدفاع عنه، وهو ما يفعله كل مواطن صالح بكل ما أوتي من قوة
 إن حق الدفاع عن الوطن حق فطري، فمتى ما تعرض الوطن لاعتداء تجد أبناءه مناصرين، مدافعين من دون أي مشقة أو تكليف.
في أغلب الديباجات المكتوبة والمقروءة والموروثات السياسية، التي تعلمناها منذ الصغر والأغاني الوطنية التي نسمعها منذ ذلك الحين والى الآن هو علينا أن نموت كي يعيش الوطن، لا أعلم لماذا هذه الشعارات ومن الذي وضعها وعلى أي أساس وضعت، بلدان العالم المتحضرة تعلم أبناءها بأن الوطن هو المكان الذي يستوعب مواطنيه ويوفر لهم كل احتياجاتهم، وإن المواطن هو قيمة عليا لا يمكن التفريط به، له حقوق وعليه واجبات، ولم نسمع يوماً في تلك البلدان بأي تظاهرة او أي تجمع يحمل شعارات مثل التي نسمع «نموت ويعيش الوطن».
يقول الروائي الكبير تولستوي «لا ينبغي لنا أن نحب الوطن حباً أعمى، فلا نرى عيوبه، ولانسعى لإصلاح احواله أو مواجهتها بالواقع». الأمر المهم الذي نحتاجه لتوطيد علاقتنا بالوطن بعيداً عن الشعارات هو البدء بمعالجة أنفسنا معالجة حقيقية، والسعي لتغيير الواقع ثم محيطنا ثم التوسع الى الوطن ككل، لأن الوطن يبدأ حيث ينتهي الفرد.
خلال السنين الماضية ومن خلال التظاهرات المطالبة بالحقوق، أراد العراقيون كتابة فصلٍ جديد عن عراقٍ خالٍ من التوترات والفوضى يؤمن بالحرية كمنهج وديمقراطية كسلوك، عراق يليق بالعراقيين، يؤمن بالحياة الكريمة التي يسعى اليها، يؤمن بمستقبل يشع نوراً وابتهاجاً دون المرور بمنطقة الحرب والفوضى والقتل، مغادرة مفهوم الموت والقتل كمدافعين أومعتدين وهو المفهوم الذي يجب أن يسود وهو ما آمن به العراقيون الآن، بعد أن تذوقوا مرارة الحروب والاقتتال، فقيمة الإنسان العليا هي بما يقدمه للوطن وبما يقدمه الوطن له من خلال العطاء المتبادل، حب الوطن ليس تعبيرات منمقة، رمزية، آنية أو شعارات تبرز في يوم من أيام السنة او في فصل من الفصول، بل هو ثورة داخلية مشعة ملتهبة في النفس، فلنعش من أجل الوطن لبنائه وإعماره، فمعيار الهوية الحقيقية هو ما نقدمه للوطن بعيداً عن المزايدات.