رائد التفكيكية

الصفحة الاخيرة 2021/08/28
...

جواد علي كسار
 
أخيراً رحل إلى ربّه رائد التفكيكية الإيرانية محمد رضا حكيمي، وقبل التفكيكية ارتبط اسم حكيمي بموسوعة الحياة، وهي الموسوعة التي رأيتها في أوائل ثمانينيات القرن المنصرم، بجزأين أو ثلاثة، قبل أن تكتمل باثني عشر مجلداً.
لقد أطلق حكيمي مشروع موسوعة «الحياة» في بناء ينطلق من منظور خاص للمعرفة الدينية، بدأه بمعونة أخويه عام 1974م وانتهى منه سنة 2015م، محوره العدالة الاجتماعية، ومرتكزه في التشييد المفاهيمي والنظري، القرآن الكريم والحديث الشريف.
ارتبط اسم الراحل أيضاً بالتفكيكية، أو على نحوٍ أدقّ وكما كان يحلو له أن يصفها، بمدرسة خراسان في التفكيك المعرفي، والتفكيك (لكي لا يعترض علينا د. صلاح الجابري، كما فعل مع عمود: أزمة العقل المسلم!) هو مشترك لفظي، إذ إن أول ما قد يتبادر إلى الذهن عند اطلاق المصطلح، هو دلالته على لون من الممارسة الثقافية في الغرب، اتجهت لتقديم قراءة خاصة للنص أو ثنائيات النص، ونشأت بذورها الأولى مع هيدجر، واتضحت معالمها على نحو أجلى وأكثر تكاملاً مع جاك دريدا، الذي ارتبط المصطلح باسمه أكثر من غيره.
بيدَ أن التفكيك عند حكيمي، هو دلالة على لون من الممارسة المنهجية للمعرفة الإسلامية، تستند في فهم الدين وبناء مفاهيمه واستنباط أحكامه، إلى فصل كامل بين النصوص الإسلامية والمعارف الإنسانية، ومن ثمّ التمييز بين حقلين؛ حقل المعرفة الدينية الخالصة القائمة على أساس النصوص المحضة، والمعرفة العامة القائمة على أساس العلوم البشرية.
استهدفت التفكيكية بالصميم فصل المنطق والفلسفة والعرفان وأصول الفقه، عن منظومة الفكر الإسلامي مفاهيمياً وتفسيرياً وفقهياً، بجعلها ممارسات خالصة لا صلة لها إلا بنصوص الإسلام نفسه، لأنها وفقاً لهذه المدرسة، بغنى كامل عن بقية المعارف.
تنظير حكيمي لمدرسة خراسان التفكيكية، جاء تتويجاً لعمل نظري ومشروع فكري لحلقة من علماء مشهد، هُم أساتذته، وجوهر التفكيك عنده وفي مدرسته ملخصاً؛ هو تحرير العقيدة من الفلسفة والعرفان، والفقه من سطوة الأصول، لأن للإسلام جهازه المعرفي الخاص به.