ابراهيم الخياط.. حياتك تتسع مثل القصيدة

ثقافة 2021/08/29
...

علي حسن الفواز
كلما تتسع القصيدة، تتسع اللغة، وتفتح أفقا مجاورا للبوح، والاعتراف، إذ يكون هذا الاتساع هو الحياة ذاتها، وهو الرغبة المحتدمة في صناعة الأثر الذي يظل رهين العمل، والابداع.. هذا ما دأب ابراهيم الخياط على الانشغال به، والتمسك بروحه الوهاجة، فالقصيدة لديه هي الوجه الآخر للحياة والأثر، مثلما هي المقابل الرمزي للخلود.
شاعر يعشق البرتقال، يفكر عبر رائحته بالكلام، إذ تمنحه شهوة المعنى، وتطلقه مثل عصافير بهرز ليكون اكثر قربا من الغيمة، وأشدّ احيازا للأرض، فالشعر هو هذه العلاقة الملتهبة ما بين الغيمة والارض، والتي تجعل الشاعر كائنها الباحث والدؤوب والمسافر، والذي تكتسب الحياة معه سحرا آخر، هو ذاته سحر السفر والكشف عن اعماق اللغة النظيرة لأعماق الأشياء والتفاصيل.
منذ عقود وأنا أشاطره لعبة البحث عن المعنى، وكيف لنا أن نصنع له ارضا، وغيما، أو نمنح استعماله قوة فاعلة، فالافكار التي لا تستعمل تموت، وتختفي عن الاصابع، وأحسب أن شغف الخياط بالحياة كان يجعله أكثر اندفاعا لتوسيع تلك الاستعمالات، بدءا من استعمال لغة الحوار، الى استعمال الكتاب، واستعمال الادارة والغرف الثقافية، لكي تتسع لأسئلتنا وضجيجنا وأحلامنا.
كنت أصدّق حياته كثيرا، واحلامه أكثر، وأثقُ بأسفاره في الأمكنة وفي علاقاتنا مع الاخرين، لذا لم أصدّق خيار موته، كنتُ أتصوره كابوسا، أو مزحة منه، أو ربما خبر سرعان ما يُكذبه الاصدقاء الذين اعتادوا حياته الغامرة بالعمل والتواصل والاحلام، وهذا ما جعلني أحتفي بحياته التي أعرفها كثيرا، القريبة من البرتقال والماء والضحك والقصيدة، فاستعيدها معها طوال الوقت، فأنا أكره خديعة الوقت، وهروب الاستعارات الى ما لاتقصده، وهو ما جعله ابراهيم عصيا على الغياب، ومشاكسا لفكرة الموت، وحاضرا كلما اردت البحث في التفاصيل، وفي الدخول الى غرف المكان والحديث عن ستراتيجيات الثقافة التي كنا نتشاطر او نضحك حولها، وقد نكون أكثر جدية بالحاجة اليها، ونحن نراجع تاريخا ثقافيا ظل مسكونا بالحلم طويلا وبعيدا عن تلك الخيارات الصعبة.
ابراهيم صديق الأشياء الأليفة، العالق مثل رائحة بالمكان والأوراق، يحضر دونما مفاجآت ليشاطر الجميع حديثهم وصخبهم عن الحياة والحرب والذاكرة، وعن الحرية وعن الغائبين الذي لم يصدّق ايضا رحليهم عن المكان.