سريرها وما يليه «الكتاب عمارة»

ثقافة 2021/08/30
...

  حسين العبدالله 
 
اعتدنا على الشعر؛ ما يمكنُ أن يسمى شعراً بعيداً عن أشكاله وطرق بنائه، فما بالك إذن بذلك الذي لا يمسك باليد، المياه! لنسمه المياه إذن مقدمة، وعتبة للولوج إلى عالم مغاير في الكتابة الشعرية، فالعمل على النّص الشعري بحد ذاته شعرية خالصة وإلا ما الدّاعي الذي يجعل من العمارة مثيرة وممتعة للناظر لولا شاعريتها المتدفقة.  
هل يمكن أن نقارن نصوص كتاب «سريرها وما يليه» وفن العمارة، إذا كانت حلقةُ الوصل بينهما شاعرية المحتوى، أنا أقول نعم!، يمكن أن نتأمل الكتاب في آن ونتأمل العمارة أيضاً، إن طالب عبد العزيز وهو مهندس الكلمات، يضعُ القارئ في حيرة، وهو يقدم نصوصه المتداخلة فنيّا في أجناسها، نعم هناك سرد وفير وتتابع حَركي بطيء للأصوات داخل النصوص، ولكن اللغة هي لغة الشعر الجميل، تشكيل مغاير  في المبنى الداخلي للنصوص، حتى أن تصنيف الكتاب هذا شعراً يبدو ضيّقاً وفقيراً، المحتوى العام يشير الى سيرة شعرية مسرودة للسرير وما حوله أو وما يليه في سرد شعريٍّ ممتع، لا يخرجك من لذّة الشعر ولا من متعة السرد، واما شكل النصوص وترتيب الأسطر هو أيضا مختلف فهو يعتمد نظام الأسطر المتتابعة المكتملة غير المنقوصة نتيجةً لسردية السياق الشعري، وهذه أيضاً إشارة الى أن عمارة طالب عبد العزيز مهيكلة بطريقة هَندسية واعية، وهذا يقودنا الى محور مهم في الكتابة هو «الوعي بالكتابة» على غرار الوعي بالمنهج  في النقد الأدبي، عندما يكون المؤلف مدركاً لبناء النص واعياً بما يودّ أن ينتجه على مستوى الأشكال والتنويع الفني والتداخل الجناسي، وأن يكون عارفا باشتغاله فهذا يعني أننا أمام عمارة عصرية خالدة مثل أعمال  كبار فلاسفة العمارة.   
فالكتاب عمارة، والتجربة تحكم الاثنين، والوعي بالتجربة هو المنطقة التي تمنح الكاتب هويته. لنعد الى العمارة قليلاً فنحن مولعون بالمباني الجميلة، لأننا كائنات شاعرة نبحث عن الفن لأنه يريح أعصابنا يسعدنا يمتع عقولنا ويغذيها، العمارة الجميلة تشدنا يلهمنا حضورها، وطريقة تشكلها، تلفتنا سرديّة تفاصيلها الداخلية، لون العتبات، تشابه الأبواب، تصميم المصاعد، الغرف والمحال والمطاعم، غرف النّوم انسجام الألوان والإضاءة، كل هذا كتاب!، كل هذا فن، العمارة فن، والكتاب عمارة، وعمارة طالب عبد العزيز مختلفة ومبهرة  فهي مبنى أدبي مغاير تماماً لكل ما يصاغ ويبنى، في وحدة موضوعها الذي يدور حول عنوانها، وانتماء النصوص كلّها للعنوان الحرفي على الغلاف، عنايته الفائقة بالزمن المتخيل، الزمن الذي لا يفصح عن نفسه، لا أودُّ أن أخوض في بنية النص بقدر ما يهمني أن أكشف عن  كتاب جديد، أسلوبيّاً يمكن أن يمنح الشعر هوية  مختلفة، أنا لا أجد في هذا الكتاب قصيدة بقدر ما هو كله من الغلاف الى الغلاف مبنى سردي واحد، جسد واحد، لم تؤثر العناوين الفرعية عليه سوى أنها إضاءات إشارية فقط للمحتوى الداخلي.. إذن هل يمكنُ أن نعتبرَ هذا الكتاب فتحاً أدبيّاً جديداً؟، هل يمكن أن يشكل شكلاً جديداً للكتابة الشعرية؟، كل هذه الأسئلة تفتح أبوابها معلنةً عن أثرٍ مهم قد يُهمل ربما تماشياً مع الوضع الثقافي والأدبي العام المعني بالإسفاف اللغوي في هذه الأيام.. في ظل تلاطم أمواج النقد ووفرة النقّاد وشحّة النّقد. لذا من الضروري أن نكتب هنا عن كتاب العام الصادر عن دار الرافدين في بيروت.. سريرها وما يليه، بوصفه عمارة عصرية في زحمة وعبث وعشوائية العمارات المجاورة.